التربية على منهاج النبوة (15) تأصيل العقل المسلم في القرآن والنبوة والربانية
إن الفطَامات الستة التي وصفها الإمام عز الدين كفٌّ وتكميم وضبط، ما في عبارة “فطم” ما يوحي بفاعلية آفاقية. والعجيب أن هذا الرجل الفذ الذي كان في عصره النجم الثاقب، تلقي صلابته في الحق وفاعليته في المجتمع الرعب في قلوب الملوك، يصف السلوك الصوفي وصفا سالبا فرديا نفسيا، كأن الفصل الذي حدث بين الساحة العامة والخلوة التعبدية أصبح ضربة لازِبٍ، وكأن الكف والفطم عملية لا تتأتى بدون عزلة واعتزال.
في مستقبل الإسلام نحتاج لِقران “الفطم” الفردي الأنفسي السلوكي بالفاعلية الجهادية، ليكون السلوك الإحساني عملا مصيريا رائده الفردي عبادة الله كأننا نراه، ورائده الجماعي إتقان الأعمال الجماعية لتحقيق إسلام العدل في الأرض وعمارتها والخلافة فيها. ومن أهم العقبات في طريق الإحسانَين ترويض العقل ليكون مستسلما لله عز وجل وللنبوة، ويكون في نفس الحركة فاعلا في الكون السببي.
إن الغزو الفكري الجاهلي فكك العقل المسلم تفكيكا، وركبه تركيبة وثنية، وفصله عن الوحي. وإن إعادة تركيبه في أحضان الوحي والنبوة والربانية شرط أساسي في قدرة الأمة على الجهاد. وحدات العلوم الكونية التي يتفوق علينا فيها الجاهليون وحدات مبعثرة، مجردة عن المعنى، متناقضة أحيانا، إلحادية، منكرة للنبوة، تفسر الحياة والتاريخ والنظام الكوني تفسيرا عبثيا، لا خَبَرَ عندها بسنة الله في الإنسان والتاريخ.
بداية التركيب العقلي للمسلمين البداية الصحيحة ينطلق من صلة العقل بالقلب لنكون من أولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا ويتفكرون تفكُّر الإيمان بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر والقدر خيره وشره. هذا الذكر وهذا الإيمان مركز ومحور لكل أنشطة العقل وجزئيات العلوم، يلتزم العقل توجيه الوحي، ويبقى العقل خادما لأوامر القلب المفعم بحب الله، القائم بحق الله، الفاعل بإرادة قوية لا تتنكر لقدر الله، ولا تحيد عن مقتضى سنة الله.
يجب أن نصل شرايين العقل بواردات القلب ليتمكن العقل المسلم من كل أنواع القدرة العلمية والتكنولوجية والخبرة التنظيمية في كل المجالات دون أن يتنازل عن استقامته الفطرية.
إنَّ الذي يحدث عند كثيرين من الكتبة عن الإسلام هو استعمال اللغة العقلانية الثقافية، من خلال عباراتهم البعيدة عن القرآن وبيان القرآن. لا ترشُح من أقلامهم إلا أفكار سطحية مادية اصطبغت على أصلها “الحضاري الثقافي العقلاني” بصبغة إسلامية شفافة. إنه تلوث وتحد أمام الربانية لتعيد العقل المسلم إلى نصابه، ليتأصل هذا العقل في القرآن والنبوة والربانية، ثم ينصرف إلى مهماته بمنهاج قُرْآني يستقطب العلوم ويستكمل القوة، لا تستقطبه العقلانية فيصبح خادما في حانوت “الحضارة” يقترح البدائل، وهم عن الآخرة هم غافلون. عقبات!. الإحسان، ج 1، ص 97-99.
أضف تعليقك (0 )