مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

السياسة والحكم

الديموقراطية-الواقع والشورى-المطلب

الديموقراطية-الواقع والشورى-المطلب

ألفنا في زمننا تقسيمات العصر إلى مجالات منها الديني والثقافي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي. وليس تقسيم علمائنا رحمهم الله أقل شمولية ولا أقل جدارة بالاعتبار، ومن الإنصاف المحض أن نحكم بأن تقسيماتهم كانت أوفى وأدق وأحكم لأنها تدخل في معادلاتها الإنسان فتجعله مركز الدائرة، إلى مصلحته في الدنيا والآخرة يرجع كل شيء من أشياء الحياة وأنظمتها وصناعتها. لا جرم يكون ذلك كذلك وفي مقدمة اهتمام الفقيه الأصولي «حفظ الدين». ومن واجب حفظ الدين، وفي خدمة حفظ الدين، تتفرع واجبات حفظ النفس والعقل، وحفظ النسل والمال.

خارطتان تمثل إحداهما مخطط الجاهلية وبرنامجها، في خاناتها الثقافة والدين كما يفهم الدين الجاهليون، والسياسة والاقتصاد، والاجتماع. وتمثل الأخرى مقاصد الإسلام، ومطالبه في إقامة الدين، وتثبيت أقدام الإنسان في الأرض، آمنا على نفسه وماله ونسله، متزنا في عقله، مستعدا للرحيل بخطى مطمئنة من الدنيا وامتحانها إلى الآخرة ونعيمها. ضع الخارطة الأولى على وجه الثانية، فربما يغطي الاقتصاد و«علم النفس» وعلم الطب وسياسة الإسكان وسياسة الحكم والضمان الاجتماعي في الخارطة الأولى بعضا أو كثيرا من أقسام «العادات» و«المعاملات» في الخارطة الثانية. وتبقى مساحة شاسعة لا تمتد خارطة الجاهلية لتغطيتها هي مساحة معنى وجود الانسان، مساحة الآخرة والمصير إليها وعلاقة هذا المصير بسلوك الإنسان واستقامته، ورفقه لا عنفه، وبذله لا أنانيته، وعطائه لا تبذيره، وأخلاقية الرحمة بالخلق وإطعام المساكين لا وحشية الاستهلاك الباذخ والمستضعفون في الأرض يموتون جوعا.

أين تقع الديموقراطية وهي عصارة التجربة الإنسانية من الشورى وهي تنزيل العزيز الحكيم لخلقه لولا أن الديموقراطية واقع يتمتع بإنسانيته غيرنا ويمثله مسرحا هزليا حكامنا، ولولا أن الشورى نظام غائب ومطلب عزيز دون تحقيقه أشواط من الجهاد؟

تقع «الديموقراطية-الواقع» من «الشورى-المطلب» في رياض القرطاس وفي تأملات الكاتب موقع التحدي الفكري. لكنها في حياة الأمة تحد حيوي، يضيع الدين وتضيع الأمة إن استمر الاستبداد العاض. ويطلق الناس الدين لاعتناق دين الديموقراطية لأن من معاني «الحريات العامة» ضمان كرامة الفرد وتحلله من كل قيد يكبح شهواته. تحد قاتل، فإما ديموقراطية إنسانية دوابية إباحية وإما شورى يكون بها أمرنا على جادة الدين.

كان علماؤنا حتى في القرن الثامن في أندلس الطوائف يتكلمون من موقع استعلاء حضاري. لم يكن أمامهم أي تحد معنوي يصول عليهم بتفوق نموذجه. لذلك كان حفظ ما عندهم غاية سؤلهم.

نظرات في الفقه والتاريخ، ص: 68-69

أضف تعليقك (0 )



















0
يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد