نتحدث اليوم عن السير القلبي إلى الله، كيف يسير القلب إلى الله؟ كيف يبدأ القلب من حالة الركود والموت، فينْشَطُ من غفلته، ويحيى من موته، فيقبل على الله عز وجل، ثم تتوقد فيه أنوار طلب الحق عز وجل وأنوار الإرادة فيبدأ سيره إلى الله عز وجل؟
بعد حين سنرجع إن شاء الله إلى ذكر أنواع القلوب، منها القلوب الغافلة، ومنها القلوب القاسية ومنها القلوب الكافرة والمنافقة، ومنها القلوب السليمة. الآن نتحدث عن السير، سير القلب، هل لهذا ذكر في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟أم هو كلام يطلقه بعضهم على عواهنه دون أن يكون له أصل من الشرع؟
نقرأ في كتاب الله عز وجل قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ هذا في سورة آل عمران. ونقرأ في سورة الحديد قول الله عز وجل: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾.
هذا الإسراع ما كنهه؟ كيف يكون؟ وبم يكون؟ هل هو إسراع بالجوارح أم إسراع بالجسم؟ هل هو تخط للمسافات بالفكر؟ هل يكفي أن يرتقي المسلم والمؤمن بأوهامه الفكرية ولحاقاته الجسدية من عالم الغفلة عن الله فيصبح من الذاكرين؟ أو ينتقل بهما من عالم الرضى بالأمر الواقع المكروه المنكر، فيصبح من المجاهدين؟ أم لابد من تزكية النفس وتربيتها وحملها على المكاره؟ أم لابد من إيقاظ الإرادة الإيمانية في القلوب فتتحرك القلوب مبتغية وجه الله فتأمر عند ذلك الجوارح والعقل بالعمل المنسق، العمل الفكري والحركي، لكي نرضي الله عز وجل؟
﴿سَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾، ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾، هل يكفي أن يكون هذا السباق سباقا فكريا؟ تعلمنا، تلقينا العلم، علمنا الحلال والحرام، علمنا المعروف والمنكر ، قرأنا كذا وكذا من الكتب، اطلعنا على ما قاله فلان وفلان من أئمة العلماء، هل هذا يكفي؟
هذا لا يكفي فإنه لن يقربك من الله عز وجل مادام علما لا يفضي إلى عملٍ. في الحديث الشريف:«اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفَع» والعلم الذي لا ينفع هو الذي يبقى فكرا، يبقى في الدماغ ويبقى في اللسان، ولا يترجم قولا وحركة. هل يمكن أن يكون صراعنا واضطرابنا بين الناس عملا مَرْضِيًّا إذا كان عملا لم يوجهه العلم؟ إذا كان عملا بغير علم؟ نعوذ بالله! العمل بلا علم ضلال وإضلال.
سلسلة دروس المنهاج، سلامة القلوب، ص: 15-17
أضف تعليقك (0 )