الشيطان واحتناك ذرية آدم
قال الله تعالى يقص علينا بدء خليقتنا: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا. قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً. قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا. وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا. إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً﴾.1
هكذا اقترن البلاء بالخلق، وسلط الرحمان على بني آدم الشيطان وحزبه، وأمره أن يستفزهم بصوته ويُجلب عليهم بخيله ورجله وأن يشاركهم في الأموال والأولاد، وأن يمنيهم وعود غواية وغرور. وأمر الله مُطاع. وما الشيطان إلا عبد أخزاه الله وشده في عجلة البلاء، والبلاء حكمة الرحمان تقدست أسماؤه. ومن البداية أعْلم الحق سبحانه من يلقي السمع وهو شهيد أن عباده المصطفين لعبودية الإيمان وولاية الرحمان ومقامات الإحسان لا سلطان عليهم للفاسق عن أمر ربه بالسجود لآدم عليه السلام.
وانطلق الشيطان يحتنك ذرية آدم ويكيد ويمكر ويغر. احتنك بمعنى ألجمه كما تلجم الدابة في حنكها، أو أكله كما يأكل الجراد نبات الأرض. كذا قال الراغب الأصفهاني رحمه الله. وكل ذلك يفعل الشيطان لعنه الله؛ يلجم أولياءه، ويأكل ممن استجاب له العقل والمروءة والدين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عند مسلم يرويه عن ربه عز وجل: “وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، أي على الفطرة والاستقامة، وإنهم أتتهم الشياطين واجْتالَتْهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرَتْهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا”.
منذ البداية اجتهد إبليس وذريته وحزبه في احتناك ذرية آدم يحرفهم عن الفطرة جيلا بعد جيل، ويلجم ما يلجم، ويأكل ما يأكل، ويجتالهم عن دينهم، أي يجول بهم بعيدا من دينهم.
فلما بعث الله عز وجل رُسله للخلق يذكرونه بميثاق الفطرة وعهدها، جعل لكل نبي أعداء من شياطين الجن ذرية إبليس ومن شياطين الإنس، تتعاون الشيطنة الجنية والإنسية في عملية الاحتناك. قال الله عز وجل: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾1. سنة الله، ص 270-272.
1 سورة الإسراء، الآية 61-65.
أضف تعليقك (0 )