مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

السياسة والحكم

العدل بلا تنمية حُلْمٌ

العدل بلا تنمية حُلْمٌ

العدل بلا تنمية حُلْمٌ

الوحدة عمادها العدل، والعدل بلا تنميةٍ حُلْمٌ. الفقْرُ الـمُتخلِّفُ المتغَلِّف في أسماله كاد أن يكون كفرا، والكفر هو الظلم الأكبرُ، بين طياتِه الظلم الاجتماعي، ومن بناته الحرمان الاجتماعي.
وحدة وعدل وتنمية يَتَّكِئ بعضها على بعض، ويتوقف بعضها على بعض. ونحن إلى الأساس اللغوي سائرون.
قضية التنمية في عصرنا وفي مستقبل أمر العالم وأمرِنا قضية علوم وتكنولوجيا وخِبرة ودُربة وأدمغة. ولغة قوية أوّلَ شيء. وقد أفضنا الحديث في التعليم والأدمغة في فقرات سبقت من هذا الكتاب. والحمد لله الملك الوهاب.
ويتسلسل تساند الصرح طَبَقاً على طَبَقٍ من الأهم إلى المهم، من وحدة أم رغائبها اللغة إلى علوم وتكنولوجيا أم مطالبها اللغة.
التنمية والعلومية يحققهما أقوامٌ تحت أنظمة حُكْمٍ مستعارَةٍ، ثم يكون لهم في سوق العالم واجهة، وفي تجارة العالم رصيدٌ. كوريا الجنوبية وتايوان والقَزَمَةُ عَدَدا العملاقةُ مددا سنغافُورة. وغدا…
هذه الأقوام توحدها دولة قومية، ولغة قومية، وتنافس قَوْمي في معمعان الصناعة العالمية والتجارة العالمية. لا رسالةَ لها في العالم غيرُ ذلك. فإن تبنت نظام حكم صارمٍ حتى أقلع اقتصادها، وتدقرطَتْ بعد ذلك بنوع من الديمقراطية بقوة الأشياء وطبيعة تطور المجتمع فذلك لا يَقْدَح في أصالة من هو في العالم تاجرُ أمتِعةٍ وصانعُ بضائع.
أما المسلمون فلهم في الأرض رسالة يبلغونها، من صميمها نظام الحكم الذي أنزله الله في الكتاب العربي المبين. الشورى نظام الحكم المطلوب المرغوب. وأحيلُ السائِلَ عَمَّا يجمع ويفرق الشوى والديمقراطية إلى كتاب «الشورى والديمقراطية»، فالنقاش في الموضوع طويل عريض.
في حِكمة الفِكر السياسي العالمي المعاصر يَتوازَى ويتآزَرُ مطْلَبا التنمية والديمقراطية. وهي حكمةٌ مَعْبَرُها إلينا ومعبرنا عليها وجواز سفرنا وسفرها مقالةُ أن وحدةَ المسلمين، والعدلَ بين المستضعفين في العالم والمستكبرين، والعدل بين شعوب المسلمين، وبين الطبقات الاجتماعية في بلاد المسلمين، لا تقوم إلا على تنمية، والتنمية لا تزدَهِر أشجارها وتَحِينُ ثِمارُها إلا على استقرارٍ شوري، كما تقول حكمتهم: لا تنمية إلا على استقرار ديمقراطي، ولا ديمقراطية بدون قاعدة مادية تَنْمَوية.
في عالم اليوم وأفُقِ مستقبل الغَد لا بد للمسلمين من قوة ماسكَة تُكَوِّنُ منهم كتلةً واحدة قادرة على التنافس الصناعي التجاري المالي التنموي في جوّ محموم فتحت فيه الديمقراطية الاقتصادية – ديمقراطية معاهدات الكاط ومراودات التطبيع مع اليهود في الدار البيضاء وعَمّان، ومساوَماتِ التشارك في بَرشلونة بين الاتحاد الأورُبي والدول المتشاطِئةِ مع أوربا عَبْر البحر الأبيض المتوسط – أبواب الطوفان التجاري.
لا تثبُتُ أقدامنا على أرضِ التنمية بدون أن يَرسَخَ نظامُ حكمنا على أصل أصيل. على أصْلِ إيجابيةِ ذاتِنا. على أصلِ الحقِّ المنزّل من عند الله الذي هو حقيقة وجودنا.
يهيمُ المسلمون الرازحون تَحتَ نِيرِ الاستبداد ونيرانه بالديمقراطية وبها يَلْهجون. إن كانت الديمقراطية تنفي الاستبداد فهي سَلْبٌ لا إيجاب له، هي استنساخٌ لحكمة الآخَر تجعل منك صورةً باهتة للآخر. لو كنا كوريا الجنوبية شعبا نشطا ودولة صانعة تاجرة بلا رسالة في الدين غير ذلك لكان نضالنا من أجل الديمقراطية نضالا شريفا. ولَكُنَّا معتزين متشرفين أن نكون أمثالا وأشباها وأتباعا للناس.
لكننا حمَلَةُ رسالةٍ، من إيجابيات الرسالَة وأعمدتها وأصالتها وقوتها قول الله تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾1. نكون مَسْخا من المسخ إن لم نفعل.
نراجع بناء الصرح من أسفله إلى أعلاه، فنجد وحدة اللغة، وقوة اللغة، وقدرة اللغة على توحيدٍ، هي جذرُ الأساس، والجُلْمود الثابتُ إن تزعزع انهارَ البناءُ. ونجدُ نظام الحكْم ناطقا بلغة القرآن الموحِّد، قرآنِ التوحيد، وعقيدةِ توحيدِ الله تعالى، وطاعتِه اللازمةِ لكل مسلم ومسلمة.
بلغة القرآن يقول استقرارُنا : أنا شُورَى منزَّلٌ مبدَأُها، حُرٌّ شكلُها وتوزيعُها أن يكون ذكيا في الاقتباس من حكمة الأمم.
على مَتن الاستقرار السياسي، وفي حِضنه، تعليمٌ يعبئُ الجهود، ثم تنمية تغذيها الأدمغة المتعلمة وتديرها وتسبَحُ بها في بِحارِ المنافسة العالمية وأمواجها. وعلى متن التنمية المتعلمة عدل شامل، وعلى متن العدل وحدة. وقد تأملنا الصرح فوجدنا اللغة أمّ الرغائب والمطالب.

عبد السلام ياسين، حوار مع صديق أمازيغي، ص 101-104.

أضف تعليقك (0 )



















0
يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد