مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

المنهاج النبوي

الحاضر خضم زاخر، تاريخ يعج بالتحديات. وجند الله لن يشقوا ذلك العباب إلى غد الإسلام إلا بعقيدة لا إله إلا الله، وأخلاقية لا إله إلا الله، وعقل تابع لوحي الله، ماض في تنفيذ أمر الله، على خطى رسول الله.

انقطاع كلي ضروري عن تفسخ الآخرين خلقا، وهجانتهم فكرا، وتبعيتهم حسا ومعنى.

وبقدر ما تكون وصلة جند الله بكلمة الله وسنة الله أقوى، تتضاءل في أعيننا العقبات والتحديات. ويكتسب الحاضر المعقد الثقيل الوطأة على الأمة إغراء فريدا للمجاهد الذي يجعل غاية أمانيه إحدى الحسنيين.

أعداء الإسلام يصفون لنا السم على أنه الدواء الناجع. يشيرون بِحِمْيَةِ «الانقطاع الإبستمولوجي» لِمَرِيضِنَا ليتم بتر الإسلام من كيان الأمة. ويجعلون هذا الانقطاع مقدمة ضرورية لنقلنا إلى منهاج اللاييكية والاشتراكية والثورية إلخ.

والمنهاج النبوي يبدأ أيضا بالانقطاع عن موارد الجاهلية فيما يرجع للعقيدة والخلق والذاتية ومنهاج العلم والعمل. ليكون الوحي مصدر فكرنا، وتكليف الله سبحانه وتعالى حافزنا للعمل، وسنة رسوله ﷺ رائدنا.

دع قِصار الفهم، عن غباوة أو تَغَابٍ، يُسِفُّون عندما يلقنون الناس أن الإسلام رجوع لحضارة الجمل، وفكر الحيض والنفاس، استخفافا لعقول الناس، واستهزاء بأحكام الله، ومنها أحكام الحيض والنفاس التي تحتل مكانتها، وتبقى خالدة ما تُلي القرآن. وكل حكم من أحكام الله عز وجل جزء لا يتجزأ من المنهاج النبوي.

وردت كلمة «منهاج» في الكتاب والسنة:

قال الله عز من قائل: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً﴾ (المائدة، 48). فسر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الشرعة بأنها ما جاء به القرآن، والمنهاج ما جاءت به السنة. فعلى هذا تكون الشريعة أو الشِّرْعَةُ أمرَ الله المنزل الضابط للتكليف وشروطه وأحوال المكلفين، ويكون المنهاج هو التطبيقَ العملي للشريعة، وإنزالَها على أحداث التاريخ في الإطار الزماني والمكاني والاجتماعي الاقتصادي السياسي المتغير المتطور، الذي تمثل السيرة النبوية نموذجا فذا له، لكن نموذجا حيا قابلا للتجدد في روحه وإن تنوع الشكل. وبهذا الفهم الواسع المتحرك للسنة يمكننا أن نتجاوز ضيق من يفهم السنة تكرارا حرفيا تعبديا للشكل، تكرارا يضيع معه ومن جرائه روح السنة وأهدافها. فما كان من السنة تعبدا من أقوال الرسول ﷺ وأفعاله وتقريراته ثوابت لا يجوز عليها التحويل. وما كان منها سلوكا سياسيا ومعالجة لحياة الناس وسياسة للمال والجهاد دخل في حيز الصناعة التي تستقي الحكمة من معين الوحي والنبوة، والحكمة العملية من خبرة التاريخ.

وهي صناعة يساعد على فهمها صيغة «مِفْعال» التي جاء عليها «منهاج» الدالة في لغة العرب على الآلة كمسمار، أو مجال الحركة كمضمار، أو أداة القسمة والعدل كميزان. سنة إذا هي المنهاج بشمولية قابلياتها في الفعل والحركة ووضع الأمور في مسارها الشرعي.

عبد السلام ياسين، مقدمات لمستقبل الإسلام، ص 23-24.

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد