post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

يموج عالمنا المعاصر في غيابات التيه ومهامه الغفلة عن الله، عالم أنشبت فيه رجسها الفلسفة المادية والذهنية الاستهلاكية والهوس التكنولوجي. والمؤمنون مطمئنون لاتصالهم الدائم بالله، ذكرا ومراقبة وحسن ظن به سبحانه. فما كان الله ليهلكهم وهم له ذاكرون، (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال:33].



ذكر الله وما والاه موجب للسكينة ولطمأنينة القلب، فيستشعر ذاكر الله معية الله وقربه في كل حاله، فتسكن نفسه وتحسن الظن ببارئها أمرها وتُسلِس القياد له، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي».[1]



وفي الجهة المقابلة عالم موار تتخبطه أمواج الفساد وما اجترحت يد الإنسان، عتوا في الأرض وطغيانا، غفلة عن الغاية من خلقه وكفرا لنعم الله عليه ونسيانا. فيبتلي الله الناس بالبلايا والمحن ﴿لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم:41].



والمؤمن حسن الظن بالله في كل أمره من حسن عبادته، والإيمان بالقدر خيره وشره ركن أساس في تحقق إيمانه. وتقرر عنده أن كل فعل في هذا العالم &#8211; وما فيه من عوالم الغيب والشهادة والخلق والأمر والأزل والأبد، وما خلق الله من شيء وليس لأحد به علم سواه- لله فيه من حِكم أقداره ولطائف أسراره ما لا يعلم إلا هو العزيز الرحيم.



وَكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفيّ***يَدِقُّ خَفاهُ عَن فَهمِ الذَكيِّ وَكَم يُسرٍ أَتى مِن بَعدِ عُسرٍ***فَفَرَّجَ كَربَهُ القَلبُ الشَجيِّ وَكَم أَمرٍ تُساءُ بِهِ صَباحاً***وَتَأتيكَ المَسَرَّةُ بِالعَشيِّ إِذا ضاقَت بِكَ الأَحوالُ يَوماً***فَثِق بِالواحِدِ الفَردِ العَلِيِّ[2]



يعلم المؤمن والمؤمنة يقينا أن كل محنة تحمل في أحشائها منحا وعطايا، وإنما كان الوجع والمخاض العسير مؤذنا بدنو العطاء، وميلاد قلب يفهم عن الله معاملته لعباده والمصطفين من عباده المخلَصين. فلا تلهيه الأسباب عن المسبب ولا العطاء عن المعطي، “فهو مطمئن له من تقواه ومن بشرى ربه ما لا تزحزحه معه المسلمات، فهو رفيق، وله من خفة الظهر حسا ومعنى ما يزيل عنه الكدح الأعمى فهو ينصب وإلى ربه يرغب ولا يفرغ أبدا من التقرب إلى ربه بالعمل الصالح”.[3]



ولنا في السنة الشريفة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم القدوة الكاملة في حسن الظن بالله تعالى، وفي قصة الثلاثة الذين تخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغ الإشارات لمن أراد أن يرى الصور البديعة لمعاملة الله وابتلائه، وحسن الظن به عز وجل.



قال الله تعالى في حق المخلفين في غزوة تبوك: ﴿لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة: 117-118].



لما تخلفوا عن رسول الله والجهاد معه صلى الله عليه وسلم نزلت بساحتهم كل البلايا، فكان الكرب أنيسهم والخذلان نصيبهم، حتى إذا ضاقت عليهم كل سبيل، ولم ينقذهم مما هم فيه إلا حسن ظنهم بالله تعالى حين ﴿ظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ﴾. فكانت هدية الله إليهم أن ﴿تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾. فحسن ظنهم بالله أفضى إلى نيلهم توبته ورضاه.



<hr class="wp-block-separator has-alpha-channel-opacity"/>



[1] . عبد السلام ياسين، كتاب شعب الإيمان، ج1، ص: 256، الحديث رقم: 836. &nbsp;أخرجه مسلم، كتاب التوبة، باب في الحض على التوبة والفرح بها، رقم: 2675. [2]. ديوان الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، تحقيق: عبد العزيز الكرم، الكتب العلمية، ط1، 1988، ص: 217. [3] . عبد السلام ياسين، الإسلام غدا، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، ط1، &nbsp;1973، ص: 310.

التزكية والدعوة

حسن الظن بالله

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

أهلا رمضان

شعراء في حضرة الحبيب ﷺ

الوضوء: فضله وكيفيته وروحه

في شروط تحرير فلسطين عند الإمام عبد السلام ياسين

من دروس غزوة الخندق

رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان

مقالات ذات صلة