مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

ليكن واضحا أننا لا نلتمس مهربا من ساحة المواجهة أو توازنا مقبولا من طرف القوى العالمية والمحلية المعادية للإسلام. كلا! ولسنا نرمي لترميم صدع الأنظمة المنهارة معنويا، المنـتظرةِ ساعتها ليجرفها الطوفان جزاءً بما كسبت أيدي الناس. يَندَكُّ ما كان يظنه الغافلون عن الله الجاهلون بسنـته في القرى الظالم أهلُها حصونا منيعة وقِلاعا حصينة، وتندثِر، وتغرَق. ولما بعد الطوفان، ولخواء ما بعد الطوفان، وخيبة ما بعد الطوفان نكتب.

تغيب الكآبة الـمَخْزِيَّة، ويبحث المسلمون في هذا القطر أو ذاك عن حضورٍ صادق، وصوتٍ يستحق التلبية، وذمة تليق أن تناط بها الثقـة وتعقد عليها الآمال.

في جو الانفعالات والاضطراب يعلو صوت الدعوة، يحضـر جاهراً بعد إسكات، وينكشِف وجهها سافرا بعد حجْب. . وتتبَنّى الدعوة قضايا الأمة الكبرى وتعبر عنها بثبات وصدق. وذلك حين يتحتم إشراك كل القوى في عملية قومة تقيم الدين، وتكون إقامة الدولة وصياغة دستور عادل، وتركيب حكومة جديدة، بعض شؤون إقامة الدين لا كل شؤونها.

وذلك حين يتحتم فرزُ وظيفة الدعوة -وهي شاملة عامة سيـادية- عن وظيفة الدولة، وهي إدارية متخصصة في رعاية المصالح الدنيـوية من تـنمية وتسيير يومي مالي سياسي إداري. لا تدخل الدعوة في أجواء الرِّيـبة السوقية إلى جانب ما يخلفه الطوفان من رُفاتٍ سياسي حزبي، ولا إلى جانب انتهازية تغامر بمستقبل المسلمين.

من المغامرة أن يَزعم زاعم أن مكوِّنا وحيدا من مكونات الشعب يستطيع مهما بلغ من قوة عَددية وعُدَدِية أن يحمل على كتفيه أوزار الماضي وكوارث الحاضر وآمال المستقبل. من المغامرة بالدعوة أن تنتصب الدعوة بصفتها دعوة طرفاً في النزاع على السلطة الإدارية مهما كان حجمَ فصائل الدعوة وعَددِها وتماسكها. الدعوة فوق الحلَبَةِ أخلاقيا بما هي نابعة من أعماق الضمير المسلم. هي راسمة المصير التاريخي وراعية المسير التغيـيري، رافعة رؤوسَ المسلمين بالقدوة والسلطة المعنوية -والإلزامية السيادية أيضا- إلى النظر لآفاق العزة بعد ذلة، والمجتمع الأخوي بعد كراهية، والعُمْران التكافلي بعد خراب بيت الجبارين الناهبين خيرات المسلمين.

ما هي نُهزة تُغتَـنَمُ بقطفِ أشواكِ الساعة، ولا هي نزهة للتشفـي بين أطلال ما يخلفه الطوفان، ولا هي زيارةٌ عابرة لمواطن الحكم ومعاقل السلطة. بل يَعني سنوح الفرصة التاريخية أن يتغير وجه المنظر العام. بحضـور القائمين بالقسط كما أمر الله تعالى عباده الصالحين، حضورا فِعليـا في كل ميدان، انطلاقا من حضرة المسجد وإشعاعا منه على كل مرافق الحياة.

العدل: الإسلاميون والحكم، ص: 617-618

أضف تعليقك (0 )



















0
يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد