ومر القرن التاسع عشر بتاريخ النصارى، خطا فيه اليهود خطوات عملاقة خارج الأسوار والعزلة، وهاجروا بأعداد كبيرة إلى العالم الجديد حيث تلقاهم “التَّسامح” و”النية السليمة” التي نعرف الآن مغزاها ومعناها. تلقاهم البروتستـانت الذين رأوا على هامة كل يهودي تاج “مجد الاضطهـاد”. ورأوا في هجرة شعب “إسرائيل” الحقيقي إلى الأرض الجديدة بركة من السماء توذن بقرب المملكة التي ستسيطر على العالم.
وهكذا أخذ واقع اليهود يتحول من الذلة والعزلة إلى الانفتاح على العالم والاعتزاز بالانتماء إلى شعب الله المختار. وكانت نهضة يهودية في ألمانيا قادت الحركة الصهيونية اليهودية، ونظّرت لها، وفكرت البرنامج ووضعت الخطة.
في مطلع القرن العشرين كان لليهود شأن كبير في إنجلترا، ارتفعوا إلى القمة وظهر دِزرائيلي رئيس الوزراء. في فرنسا طلع القرن العشرون على قضية “دريفوس” الشهيرة التي تجند فيها جانب كبير من الرأي العام للدفاع عن الضابط اليهودي حتى برأته المحاكم. ارتفعت قضية دريفوس إلى مرتبة القضايا الوطنية الكبرى لا لأنها قضية عدالة، لكن لأن “مجد الاضطهاد” أعطى لمظلومية اليهودي المحتملة شحنة عاطفية أجاد الإعلام اليهودي إضرام نارها. وفي أوربا كلها انتشرت مملكة “روتشلد” بمصارفها ومشاريعها.
لكن أمريكا كانت مهد النشأة الحقيقي الذي تطورت فيه “رؤيا صهيون” من رمزية بروتستانتية إلى مشروع مشترك يجره اليهود ويدفعه حلفاؤهم بالإمداد المعنوي والسياسي. من حضيض واقع الجيتو طلع يهود العالم إلى الواقع الذي نراهم معه سادة منتصرين محتلين أرض فلسطين، طامعين في المزيد، رافضين حتى التفاوض مع العرب الذين يعرضون على العتبات اليهودية الأمريكية قرارات الحلول التنازلية. ومن الحلم اليهودي المكبوت الخامل في الجهل والمرض وقاذورات الأسوار المغلقة تلَقّح حلم “صهيون” الأمريكي البروتستانتي باندفاعة جديدة، وجُرأة جديدة، ويقين بالنجاح جديد.
سنة الله، ص: 132-133
أضف تعليقك (0 )