مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

المرأة والأسرة

حياة المؤمنة.. بر وإصلاح

حياة المؤمنة.. بر وإصلاح

روى الإمام مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم! مرضتُ فلم تَعُدني! قال: يا رب! كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم! استطعمتك فلم تطعمني! قال: يا رب! وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أَطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم! استسقيتك فلم تسقني! قال: يا رب! كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟! قال استسْقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما علمت أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي؟».
هل هنالك أبلغُ من هذا البيان للدلالة على الأهمية القُصوى لإسداء الخير إلى الناس، وعلوّ مرتبة الإحسان إلى الخلق عند الله؟ وهل ترك لنا القرآن الكريم مطلبا من مطالب البِرِّ إلا بينه في قوله عز وجل: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾؟1
أرأيتِ أختَ الإيمان كيف ذكرت أعمال البر مباشرة بعد الإيمان القلبي بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين، وقبل الصلاة والزكاة؟ من صلت صلاتها وزكت فرضها فهي مؤدية لواجب عيني تحاسب عليه. أما من تبرعت بمالها وحنان قلبها على المحتاج من قريب ومسكين وسائل فقد أسْهمت في القيام بفرض كِفائيٍّ متعلق بذمّة الأمة، فارتفعت بذلك مرتبة عملها إلى أعلى. المصلية المزكية فرضَها ما عدَت أنْ بنَتْ أركان بيت إسلامها. أما المحسنة إلى الخلق المجاهدة بمالها وحنانها فهي تبني في صرح دين الأمة. بذلك كان لها الفضل. غرسة المرحمة في قلب المؤمنة يُعرف تغصينها وإزْهارها وإثمارها مما تشيعه حولها، الأقربَ فالأقرب، من أنواع البِر والإحسان والألطاف والأَرفَاقِ. ما بينها وبين ربها عز وجل لا سبيل إلى الاطلاع عليه، ونعرف المرحمة بآثارها. تصلح في الأرض حين يفسد فيها المفسدون. تبذر بذور الحب والرحمة في مجتمع الكراهية. تَتَفَرَّغُ لسماع شكوى المعاني. تنصَح المتخبطات في المشاكل وتشفع النصيحة بالبذل والعطاء والسعي لدَى من بيدهم مفاتِح المشاكل. تحوط برعايتها وعنايتها المنبوذات والمحرومات والملفوظين من أطفال البؤس. تشكر ربها على نعمه أن هداها للإيمان، فتتفجر ينابيع الخير في قلبها، تترجم الشكر والخير عطاء من مالها وحنانها ووقتها واهتمامها ووقوفها بجانب اليتيم، والمسكين، والمقهور، والأسرة المكسرة أو المهددة بكسر، تصلح ذات البين، وتأسو الجراح، وتحتضن النّوائب، وتَجْمع مع أخواتها العون المادي والعاطفي لرَأب الصَّدْع في البيوت، والتخفيف مما في البيوت من مآس وما في الشوارع من حُطام بشري.
أمومة حانية لمن جفتهن الأمهات، صدور محبة لمن يستغثن، ذمة موثوقة لمن لدغتهن أفاعي مجتمع الظلم والكراهية. أي مَعْدِنٍ هو معدِنُكِ يا أخت الإيمان؟ أنانية وشُح أنت أم عين تفيض بِرّاً؟ ما قدرك عند الله مولاك؟ انظري ما قدر مريض عندكِ عُدْته في الله، واشتريت علب الدواء بعد أن أحضرت الطبيب. انظري ما قدر جائعات وجائعين أطعمتهم في الله. وراقبي نفسك ليكون كل ذلكِ في الله ولله، لا يدخلْ نفسكِ رياء فيبطلَ عملك.
تصلحين في الأرض يا أخت الإيمان اقترابا من ربكِ عز وجل وتقديما لآخرتك، وحُسْنَ صحبة للشعب، وتأليفا للقلوب على الدين، وتهييئا لإقامة دولة الإسلام، دولة العدل الذي يعيد إلى نصاب الاستقامة ما اعوج من شؤون الناس. ثم هي مسيرة لا تقف بك وبأجيال المؤمنات من بعدِكِ. لا يَأسو عدل الدولة الجراح الشخصية، ولا للدولة قلب متفرغ للحالات الخاصة، ولا تملأ القسمة العادلة مهما بلغ تحريها فجواتٍ اجتماعية، وفراغاتٍ طارئة، ومصائبَ نازلةٍ عينيّةٍ مكانية زمانية ضحيتُها فلانة وآل فلانة من الناس.

عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، ج 2، ص 55-57.

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد