post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

ذكر الله واليوم الآخر 
«الكلام صفة المتكلم» كما يقول علماء الكلام. المتدبر لكلام الله تعالى وكلام رسوله يلاحظ الحضور المكثف لذكر الله واليوم الآخر، وما أعده الله من فسيح جناته، ونعيم قربه، لأحبابه. وما أعده من أليم عذابه لأعدائه.
في كتاب الله عز وجل تصنيف للعباد صنفين: أشقياء أصحاب الشمال، وسعداء منهم أصحاب اليمين، ومنهم طبقة عالية هم السابقون المقربون. وينادي كلام الله عز وجل العباد ليسارعوا وليسابقوا. ذلك أن الآخرة درجات، وأن المتقرب إلى الله المقبول عنده المحبوب ما هو في الآخرة كالعابد الذي ينتظر الأجر ولا يطلب وجه الرب.
علماء الآخرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يخافون أشد الخوف من أن تُفسد عليهم دنياهم آخرتهم. كان منهم سيدنا عبد الرحمن بن عوف الذي اتجر وكسب مالا كثيرا. فروى الإمام أحمد حديثا واهيا أن عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حَبْواً. وهو أحد الأحاديث الأربعة الواهية في مسند إمام المحدثين الذي لا تقل أحاديثه عن درجة الحسن.
أُتِيَ عبدُ الرحمن رضي الله عنه بطعام فتذكر أخاه المهاجر الداعية الرائد سيدنا مُصعَباً بن عُمير حين قتِل بأحُد فكُفِّن في بُرْدَةٍ إن غطي رأسُه بدت رجلاه. تذكر ذلك الثري عبدُ الرحمن فقال: «قتل مصعب بن عمير وهو خير مني (&#8230;)، وقُتِل حمزة وهو خير مني (&#8230;)، ثم بُسط لنا من الدنيا ما بُسط، وقد خَشِيتُ أن يكون قد عُجِّلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا. ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام». أخرجه البخاري.
كان ذكر الآخرة ودرجاتها والحنين إلى لقاء الله الفكرة المسيطرة على الصحابة رضي الله عنهم. بوب الإمام مسلم في صحيحه في كتاب التوبة: باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة، والمراقبة، وجواز ترك ذلك في بعض الأوقات، والاشتغال بالدنيا. وروى فيه حديث حنظلة مع أبي بكر ورجوعهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. نورد هنا رواية ثانية من رواياته بعد أن أوردنا في فصل سابق روايته الأولى. قال حنظلة: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعظنا فذكر النار. قال: ثم جئت إلى البيت فضاحكت الصبيان ولاعبت المرأة. قال: فخرجتُ فلقِيت أبا بكر، فذكرت ذلك لهُ. فقال: وأنا قد فعلت مثل ما تذكر. فلقِينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! نافق حنظلة! فقال: مَهْ!؟ فحدثته بالحديث فقال أبو بكر: وأنا قد فعلت مثل ما فعل.
فقال صلى الله عليه وسلم: «يا حنظلة! ساعةً وساعةً! ولو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر لصافحتكم الملائكة حتى تُسلـمَ عليكم في الطرق».
الجيل الأمانة، الجيل النموذج، كانت قلوبهم تسبح سبْحة في شؤون الدنيا تنسيهم ذكر الله واليوم الآخر، فيعدون ذلك نفاقاً يتطهرون منه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكلمة الهادية. وكان الغني منهم يبكي من دنياه خوفا على آخرته ومنزلته من ربه.
خطاب القرآن والسنة المكثفُ فيه ذكر الله واليوم الآخر يُجافيه ويباينه خطاب كثير من الأدبيات الإسلامية التي لا تزال مندهشة بحضور الدنيا ودهاقنتها، فهم يخشون الحديث عن الغيب. أم هي غفلة وانمساح وتسطح؟ أهو الكلام صفة المتكلم، غفلت القلوب عن الله والدار الآخرة، واشتغلت العقول بحركات الأدمغة العدوة تجادلها وتقاتلها من منطلق أن الإسلام نظام للحكم أفضل، وأن تاريخ الإسلام أمجد، وأن لنا أصالة وآباء وأجدادا كراما، وأن لنا حضارة عظيمة تبهر الدنيا؟ ولا يذكر الله واليوم الآخر!
كيف الارتقاء العقلي والقلبي إلى مرتبة علماء الآخرة؟ أمْ هل في ذلك الارتقاء مَطمع؟ أم هل إليه من سبيل؟
تنوير المؤمنات، ص: 247-248

التزكية والدعوة

ذكر الله واليوم الآخر

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

خطاب الروح الصليبي وبطشه

الأنانية والجشع وصناعة الفساد

في الذكرى 77 للنكبة.. “إسرائيل الابتلاء” وشروط النصر

خير نساء طلعت عليهن الشمس

أفق النظام العالمي

التعلق برسول الله ﷺ

مقالات ذات صلة