post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

تناول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله مفهوم &#8220;طلاق الدنيا والآخرة&#8221; في سياق مشروعه الإصلاحي الشامل، وهو مفهوم مركزي في فكره يتعلق بالتزكية والسلوك إلى الله. حيث يقول في كتاب الإحسان: &#8220;عبارةٌ يكثر أن نقرأها في كلام الأكابر مثل الشيخ عبد القادر يتحدث فيها عن&nbsp;&nbsp;طلاق الدنيا والآخرة يجب أن نَقْدُرها قدرها لكيلا يتوهم متوهم أن بالقوم رضي الله عنهم استخفافا بأمر الآخرة. كيف والله عز وجل خوفنا من عذابها وجمَّل لنا ثوابها ونعيمها! نَفس المؤمن والمحسن تخاف أشد الخوف مما خوف منه الله تعالى، وترجو ما رجّى فيه. نفس العارف تخاف النار وتحب النعيم كأشد ما يكون الخوف والحب، فهو عبد لله. لكن قلبه لا يلتفت إلى الدار دون الجار، لا يحلو له نعيم في الدنيا والآخرة مع مجرّد فكرة أن يحجب عن الله عز وجل&#8221;. (الإحسان، 1\417 – 418)



وسأشرحه من خلال النقاط الآتية، مع ربطه بمفهوم الإحسان.



<h1 class="wp-block-heading">أولاً: معنى &#8220;طلاق الدنيا والآخرة&#8220;</h1>



لا يقصد الأستاذ ياسين بـ &#8220;الطلاق&#8221; المعنى السلبي للهروب من العالم أو ترك العمل والإعمار، بل يقصد به &#8220;فك الاشتباه المرضي والارتباط القلبي الخاطئ&#8221; الذي يجعل الدنيا هي الهم الأوحد والغاية القصوى، فينقلب المؤمن عبداً لها بدلاً من أن تكون وسيلة ومزرعة.



&#8211;&nbsp;الطلاق: هو قطع تعلق القلب بالدنيا لدرجة أنها تشغله عن الله وعن الآخرة. هو هجر حب الدنيا والركون إليها الذي يصد عن سبيل الله.



&#8211;&nbsp;الهدف: ليس إلغاء الدنيا من الوجود، بل &#8220;إعادة ترتيب الأولويات&#8221; في قلب المؤمن بحيث تكون &#8220;الآخرة هي دار القرار والحساب، والدنيا دار عمل وابتلاء&#8221;.



هذا الطلاق هو في الحقيقة &#8220;زواج جديد&#8221;، أي جمع بين الدنيا والآخرة بمنظور صحيح، حيث تعمل في الدنيا للآخرة، وتستمتع بحلال الدنيا دون أن يطغى على ذكر الله وطلب رضوانه.



<h1 class="wp-block-heading">ثانياً: مراتب هذا الطلاق (سلم السلوك)</h1>



يضع الأستاذ ياسين هذا المفهوم ضمن سلم السلوك إلى الله الذي يمر عبر ثلاث مراحل:



1.&nbsp;الإسلام (الاستسلام): حيث يلتزم المسلم بالشريعة وأحكامها ظاهراً. هنا يكون الطلاق مجرد فعل أوامر وترك نواهي، ولكن القلب قد لا يزال متعلقاً.



2.&nbsp;الإيمان (الإيقان): حيث ينتقل العمل من الظاهر إلى الباطن، فيصبح الطلاق حالة قلبية، فيزهد في الدنيا ويحب الآخرة، ويصبح إيمانه محركاً لأعماله.



3.&nbsp;الإحسان (الإخلاص والمشاهدة): وهذه هي الذروة التي يرتبط فيها مفهوم الطلاق ارتباطاً وثيقاً بمفهوم الإحسان.



<h1 class="wp-block-heading">ثالثاً: الربط مع مفهوم &#8220;الإحسان&#8220;</h1>



الإحسان كما عرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل: &#8220;أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك&#8221;.



في فكر الأستاذ ياسين، &#8220;الإحسان هو الغاية والوسيلة معاً&#8221; لتحقيق &#8220;طلاق الدنيا والآخرة&#8221; الحقيقي.



كيف يكون الإحسان وسيلة للطلاق؟



&#8211;&nbsp;عندما تعبد الله &#8220;كأنك تراه&#8221;، فإن همك الوحيد هو مراضيه. عندها تسقط من عينيك فتنة الدنيا وزينتها، لأنك تشاهد بقلبك من هو أعظم. لا يهمك ثمن الدنيا إذا حصلت على رضا الملك جل جلاله.



&#8211;&nbsp;عندما تستحضر &#8220;فإن لم تكن تراه فإنه يراك&#8221; في كل حركة وسكنة، فإنك تراقب الله في كل معاملاتك الدنيوية: في تجارتك، في أسرتك، في سياسيتك. فتفعل الخور وتجتنب الحرام ليس خوفاً من العقاب فقط، بل حياءً من نظر الله إليك. هذا هو الطلاق العملي للدنيا كمعبود من دون الله.



&#8211;&nbsp;النتيجة: يصبح &#8220;طلاق الدنيا&#8221; تلقائياً. لا تحتاج لمجاهدة كبيرة لتركها، لأن قلبك قد امتلأ بحب الله وخشيته، فلم يعد فيها مكان لحب الدنيا بالمعنى المنهي عنه. تصبح الدنيا في يدك وليست في قلبك.



<h1 class="wp-block-heading">رابعاً: تجليات &#8220;الطلاق&#8221; في حياة المحسن</h1>



1.&nbsp;الزهد: ليس بمعنى ترك المال واللباس، بل هو &#8220;زهد القلب&#8221;، فلا يفرح بالدنيا إذا جاءته، ولا يحزن عليها إذا فقدها.



2.&nbsp;الجهاد والعمل: المحسن لا يهرب من الدنيا، بل يخوض غمارها ل إقامة دين الله. يجاهد بالمال والنفس، ولكن دفاعه عن الدين لا يكون دفاعاً عن مصلحة دنيوية، لأن قلبه مطلق من التعلق بها.



3.&nbsp;العدل والإحسان: في تعامله مع الناس، يكون عادلاً محسناً لأنه يتعامل مع خلق الله، وهو ينظر إلى الله فيهم.



4.&nbsp;السياسة الشرعية: حتى في أشد معترك السياسة والصراع، يظل المحسن متجرداً من حظوظ النفس، طالباً وجه الله، غير خائف من لومة لائم، لأن رضا الخلق ليس هو غايته.



<h1 class="wp-block-heading">ختاماً:</h1>



مشروع الأستاذ عبد السلام ياسين هو دعوة إلى &#8220;صحوة قلبية&#8221; تبدأ بطلاق الدنيا في القلب ليتحرر المؤمن لخدمة دين الله حقاً. وهذا الطلاق لا يتم إلا بتحقيق &#8220;الإحسان&#8221;، الذي هو &#8220;روح العبادة&#8221; و&#8221;سر السلوك&#8221;. فالإحسان هو الذي يحول الطلاق النظري إلى حالة وجودية دائمة، يجتمع فيها العمل للدنيا والإعداد للآخرة في انسجام تام، تحت شعار:&#8221;اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً&#8221;، ولكن بقلب معلق بالله وحده، لا بالشيئين معاً.

تدوينات

طلاق الدنيا والآخرة

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

طلاق الدنيا والآخرة

التعليم في مشروع الإمام عبد السلام ياسين 2/2

التعليم في مشروع الإمام عبد السلام ياسين 1/2