post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

<p>اهتم الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله بالمرأة وقضاياها، فهي شقيقة الرجل في الأحكام، ومعنية مثله بإصلاح نفسها واستكمال إيمانها لتحقيق الغاية الكبرى التي من أجلها خلق الله تعالى الإنسان، غاية تحقيق العبودية الكاملة له سبحانه في أجمل صورها، وهي مقام الإحسان، كما هي معنية بتغيير واقع أمتها المتردي وبناء أمة قوية تنعم بالرخاء والازدهار، قوية سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا وفكريا، أمة خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتحمل رسالة الإسلام، رسالة العدل الشامل في الأرض، كي تنعم بالحياة الطيبة السعيدة في الدنيا والآخرة. ومن أجل تنوير المرأة المسلمة برسالتها الجليلة في هذه الحياة، فقد أفرد الإمام المجدد كتابا قيما لها سماه <span class="citation">&#8220;تنوير المؤمنات&#8221;)</span> في جزأين، ضمنه تحليلا وتفصيلا واجتهادا كي يكون <span class="citation">&#8220;جِلاء غَمام وتنويرا لعقبات الاقتحام، ودليلا لمن يطمح إلى ذروة السنام، لا ترضى همته أن ترتع مع السائمة في سفوح الانهزام والاستسلام&#8221;</span>[ref]- ياسين عبد السلام، تنوير المؤمنات، ج1، ص:4. [/ref]</p>
<h2>أولا: واقع المرأة الحاضر</h2>
<p>تعيش المرأة المسلمة انحطاطا شاملا في كل مناحي الحياة، نتج عن انحطاط الأمة الإسلامية وتمزقها بسبب انتقاض عروة الحكم وفساده، وتسلط المستعمر واحتلاله أرض المسلمين وعقولهم، هذا الانحطاط جعل منها &#8220;كما مهملا &#8221; يُفعل به ولا يفعل، <span class="citation">&#8220;ودُمية معبودة مكدودة&#8221;)</span> تعيش من أجل إسعاد الرجل وتغذية رغباته ونزواته، بائسة تشتغل ليل نهار لكسب لقمة عيش تفقد معها كرامتها وإنسانيتها، تتأرجح بين مجتمع يسلبها حقوقها، وثقافة غربية ومتغربة لائكية إباحية، توهمها بخلع توب تقاليد الإسلام الموروث الظالمة الجائرة، ولبس ثوب الحداثة المحررة والضامنة للحقوق. يقول الإمام عبد السلام ياسين:<span class="citation">&#8220;انحطت المرأة المسلمة بانحطاط المسلمين. بدأ الانحطاط منذ تدهور نظام الحكم من خلافة على منهاج النبوة إلى ملك عاض وراثي&#8230; ولم تلبث المرأة أن أصبحت سلعة في السوق وجارية في القصور، ومحظية، وكما مهملا، حتى إذا جاء عصر اللاييكية&#8230; يبشرها بأنها دخلت عصر الحرية لتكون كمثيلتها الكاملات في الغرب، سيدة جسمها، انتحلت المغربات نحلة الغالب، فهن داعيات مناضلات بجنب حقوق الإنسان، أي حقوق المرأة في أن تنعتق من ربقة كانت فيها كَما مُهملا وسلعة.&#8221;</span>[ref]المرجع نفسه، ج1ص: 25.[/ref]</p>
<h2>ثانيا: المرأة والتغيير الشامل</h2>
<p>إن المرأة المسلمة معنية بقضية التغيير، تغيير النفوس لتكون طائعة لله تعالى محسنة، وتغيير الأمة، لترتفع من انحطاطها ومن أمراض الجهل والظلم والتخلف إلى سماء العدل والحرية والازدهار. والتغيير الشامل يسير بخطوتين متلازمتين : علم وفهم ثم اقتحام للعقبة. </p>
<h2>1- علم بالتغيير وفهم له</h2>
<p>العلم إمام العمل، ولا يتم تغيير إذا لم تفهم المؤمنة ما هو مطلوب منها في هذه الحياة، التي هي &#8220;عقبة&#8221; تستوجب الاقتحام لتحقيق السعادة الكبرى عند لقاء الله عز وجل، يقول الأستاذ عبد السلام ياسين:<span class="citation">&#8220;وتعلم المؤمنة من حيث هي مؤمنة أن اهتمامها بالبيئتين السياسية والصناعية إنما هو اهتمام بشؤون أمتها، وقوة أمتها، وقدرتها هي آخر الأمر على حمل رسالة الاسلام، وبشرى السعادتين الدنيوية والأخروية، وذلك مما يقربها إلى الله مع المجاهدات، إن رضي بعضهن بهمهن الشخصي، وعاق أخريات عن حمل الرسالة، أميتهن وفقرهن وبؤسهن.&#8221;</span>[ref]المرجع نفسه، ج1ص130-131.[/ref]</p>
<h2>2- اقتحام العقبة إلى الله عز وجل</h2>
<p>تعترض المرأة في سلوكها إلى الله عز وجل، وفي جهادها من أجل بناء الأمة عقبات كثيرة تمنعها من الاقتحام، و<span class="citation">&#8220;العقبة طريق صاعد وعر، أوعر ما فيه العقبة النفسية التي تعالج بفضيلة الصبر &#8230; ثم العقبة الخارجية الكونية وما تعج به من مغريات، وعد متربص وخصوم وأصدقاء، وحاجات اقتصادية وصحية، وعوائق ترجع لتخلف المجتمع وأخرى تنتج عنه وتتجدد، والمرأة أمام العقبة المزدوجة بين باعث يدفعها لفعل الخير وخاذل يثبطها، الخاذل عميق الجذور في الفكر والعادات والفقه المنحبس التي رسخت في المرأة على مر العصور الانحطاطية الشعور بالدونية والعجز، وكسرت ثقتها بنفسها وربها &#8230; والباعث نداء الاسلام الأصيل &#8230; كلمة تسمعها المرأة ويسمعها الرجل فيصحوان ويسألان: ما العمل وما الطريق؟&#8221;</span>[ref]المرجع نفسه،ج1ص: 18.[/ref]</p>
<h2>ثالثا: المرأة تربية الأبناء</h2>
<p>المرأة الأم على عاتقها تقع مسؤولية تربية الأبناء ليكونوا <span class="citation">&#8220;عملا صالحا&#8221;)</span> ناجحين في الدنيا والآخرة، لذلك <span class="citation">&#8220;يلزمها العمل على تربية أطفالها نفسيا وعقليا وعمليا ليتأهلوا في مهنة الاندماج الاجتماعي، ومهنة الانتاج الاقتصادي، ومهنة العضوية الفاعلة المؤثرة في الحياة&#8221;</span>[ref]المرجع نفسه،ج2ص: 241-242.[/ref] هذه التربية ينبغي أن تكون شاملة ومتكاملة ومتوازنة، قرآنية مسجدية علمية حكيمة وواقية من الفكر المضلل. يقول رحمه الله: <span class="citation">&#8220;في الأسرة ينسجم الدين والخلق والسلطة الأبوية الأمومية في حضن المحبة لتتألف عناصر التربية المتكاملة.&#8221;</span>[ref]المرجع نفسه، ج2ص: 256.[/ref] حيث <span class="citation">&#8220;تتولى الأمهات الحَدِبات على فلذَات الأكباد &#8230; توجيه العبقريات المتبرعمة والمواهب الكامنة التي تكتشفها المراقبةُ الحَنونُ، كما يراقب الزرعُ الغمامَ سنة القحط. وتُدرَّب البراعم التدريب العقلي العملي لتنمو فيهم القدرة على وصل النظرية بالتطبيق والبحث بالنتائج، والنتائج بالمصلحة والمنفعة.&#8221;</span>[ref]المرجع نفسه،ج2ص: 257.[/ref] ثم يضيف رحمه الله تعالى: <span class="citation">&#8220;تصنع المؤمنات أجيالا كثيرة العدد، عالية النوعية، علينا واجب تغذيتها، ورعايتها الصحية، وتعليمها وربطها ربطا وجوديا بالقرآن وبالنموذج النبوي، ثم بعثتها في جهاد مستمر لتبني من بعدنا مستقبل الأمة الشاهدة على الناس بالقسط&#8221;</span>[ref]المرجع نفسه، ج2ص: 297.[/ref]</p>
<h2>رابعا: المرأة في ميدان الدعوة إلى الله والجهاد لبناء الأمة</h2>
<p>المرأة -كما الرجل- مسؤولة ومطالبة بالقومة لله عز وجل، والدعوة إليه والجهاد في سبيله لتبليغ دينه إلى الناس جميعا، ولتحرير الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام كما قال ربعي بن عامر رضي الله عنه، إنه <span class="citation">&#8220;جهاد لبناء مجتمع متماسك لبناته أسر متماسكة، ثم جهاد سياسي وحركة تغيير، لنستنبط من ذاتنا، أي من اعتمادنا على ربنا &#8230; ليكون لنا نمط تنمية، ونمط إنتاج، ونمط عيش، ونمط نظام، صالحة لإنساننا وأرضنا، موصولة بماضينا الأجل، واصلة بمستقبلنا الموعود&#8221;</span>[ref]المرجع نفسه،ج2ص:296-297[/ref] ، مستقبل الخلافة على منهاج النبوة، مستقبل الاسلام في العالم . </p>
<h2>خلاصة</h2>
<p>هكذا نرى أن الأستاذ ياسين رحمه الله قد عالج قضية المرأة معالجة الخبير المتبصر، دراسة وتحليلا وتنويرا، راجيا من المرأة المؤمنة أن تتخطى واقعا منحطا صنعه حكم عاض وجبري، ومعه فقه قاصر منحبس عن شؤون الأمة، واقعا زواها وأهملها، وأبعدها عن ربها، وعن مصيرها بعد الموت، كما صنعه غزو الجاهلية، بظنها واعتقادها البعيد عن الله، وتبرجها المفتون بالدنيا وشهواتها، وحميتها المتكالبة على الأمة المستعبدة لها، الناهبة لثرواتها، وأن تنظر إلى هدي الرسول صلى الله عليه والسلم، والصحابة والصحابيات، خير نساء طلعت عليهن الشمس القدوات الربانيات المجاهدات الفقيهات المتبصرات بشؤون دينهن ودنياهن، فتقوم لله تعالى وتنهض، مقتحمة للعقبة، سالكة سلوك الأولياء، مترقية في شعب الإيمان ومدارج الإحسان، متهممة بقضايا أمتها، داعية إلى الله عز وجل، مبلغة عن رسوله صلى الله عليه وسلم، مجاهدة من أجل رفع الظلم عن أمتها وعن أخواتها النساء، طامعة في نيل الدرجات العلى، وفي حياة طيبة كريمة سعيدة في الدنيا والآخرة .</p>


قضية المرأة في فكر الإمام رحمه الله

معالم التجديد عند ذ. عبد السلام ياسين رحمه الله في قضية المرأة

صورة المرأة بين التكريم والتبضيع

القوامة والحافظية

المسؤولية التربوية في نظام الأسرة

المرأة والأسرة

قضية المرأة في فكر الإمام رحمه الله

أضف تعليقك (2 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

مقومات إصلاح التعليم عند الأستاذ المربي عبد السلام ياسين

المعالم الكبرى للمشروع السياسي للإمام عبد السلام ياسين

قضية المرأة في فكر الإمام رحمه الله

مقالات ذات صلة