التاريخ عندنا تحكمه سنة الله التي لا تتخلف. قُرىً ظالمٌ أهلها، تستعصي على الاستقامة، وتتكبر على التوبة، وتظلم الناس، وتستكبر في الأرض بغير الحق، وتعتدي على حقوق الإنسان، على حقه الأسمى وهو أن يعرف الله، ويطيع الله، ويستعد للقاء الله في دار البقاء.
التاريخ عندنا مستمر من بعثة نوح عليه السلام إلى آخر ما نشاهد من تقلبات بني آدم في الأرض. قانون إلهي واحد لا يتخلف: تطغى القرى الظالم أهلها، ويُعجب الناسَ تقلبُهم في البلاد، ويبتلَوْنَ بزينة عابرة ونجاح مؤقت. ثم يأتي أمر الله صيحة أو خسفة أو حاصبا أو طوفانا. معنا في هذا العصر آليات فكرية «سوسيو-سياسية»، وفلسفية، وجيو-استراتيجية، وتحليلية نقدية، وما إلى ذلك من الطرح الاقتصادي الثقافي العَالميِّ الآن وقد أصبحت الأرض رُقعة أرض في قرية. وأعتذر للغة العربية عن إقحامات راطنة بلغة هجينة.
أستعمل عبارات مثل سوسيو-كذا لِكَلف الناس بالمصطلحات «العلمية». وأستعملها إشارة إلى سطحية المعتبِرِ بالتاريخ، لا يرى التاريخ إلا فعلا من أفعال الحيوان العمودي المتطور، المتصارع المتقاتل المتحضر الهمجي.
إن كنا بالآليات الفكرية «العلمية» نستطيع رصد الحركة البشرية في ظواهرها، فإن العبرة التي يدعونا إليها المولى سبحانه في مثل قوله: ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾ لا يُراد لها أن تقتصر على العوامل المنظورة، ولاَ تقْنَع منا برَدِّ النتائج السلبية في التاريخ إلى عوامل أخلاقية، ولا يُقصد منها أن نتعلم من انهيار قُرىً (أي حضارات) لكيلا تنهار حضارتنا.
يراد بالاعتبار القرآني، ويقصد، أن نتعلّم من سُنّة الله في التاريخ، كما نتعلم من تقليب الله الليل على النهار، ومن حُسبان الشمس والقمر والنجوم والأفلاك، أن الرب سبحانه هو متقن الصّنع، وخالق الإنسان الفرد، ومميت الإنسان، وباعث الإنسان، وحاشِره، ومجازيه خيرا وشرا، كما هو سبحانه مُكَوِّرُ الليل على النهار، وآخِذ القُرى الظالمِ أهلها أخذ عزيز مقتدر جزاء بما كسبت أيدي الناس، وبما عصى الناس شرائع الله، وبما عاث الناس فساداً في حقوق الناس.
تقصُر الآليات الفكرية السوسيو -كذا عن تبليغ هذه الرسالة. ويبلِّغها قراءة كتاب الله تعالى بنظرة ونيةٍ لا يَتجزّأ معهما العقل المفكر والقلب الفطري المؤمن بالله، بل يقرآن في آنٍ معا كتاب الله المسطور الموحَى به، وكتاب الله المنشور في الكون وما ينزل فيه ويَعرُج.
أضف تعليقك (0 )