ما حظ المؤمنة من الجمع والانجماع؟
وثَاقة الصلة بالله وبكتابه وسنة رسوله مصدرا للهدى، وموئلا للذكر، وتعليما للقومة على الباطل سياسة. السعي لنهضة شاملة، لقومة القاعد، لإفقاد الموجود، وإيجاد المفقود سياسة. تثوير كل ذلك وإعادة تركيبه لا الإثارة الحماسية.
موقع المؤمنة السياسي وانتماؤها للحركة الإسلامية يحتم عليها العمل على إنجاح المشروع الإسلامي. تشارك مع جند الله من إماء الله في التثوير والجمع. تصِل مساعدةً، آمرةً ومأمورة، ما فُصل. أول ما تجمع وتصل، بعد توثيق توبتها وبيعتها لربها عز وجل؟ هموم ولَدها بهموم دعوتها. منفصلة لا تصِل! لها نظرتان إلى الأمور أنّى تجمع وهي غير مجتمعة!
الانجماع على الله عز وجل أولا وآخرا. من هذا الانجماع القوة، بالله عز وجل القوة. مَن لا لها إلى ربها حاجة ومطْلبٌ كيف تُستأمن على أمانة! تُساهم بالفكر والجُهد والجهاد في صنع مستقبل الحركة الإسلامية ما دامت واثقة بأن ذلك يقرب إلى الله عز وجل، ويخدُم قضيتها الأخروية، ويُصلح أثناء ذلك الولد. أسرة، سياسة، تاريخ أمة. ما يجمع ذلك في وعيٍ، وما يُجلّيه أمام عقل، وما يعيِّنة سبيلا لإرادة إن كانت الصلة بالله عز وجل فاترة، والمطالب إليه حائرة!
أسرة لبِنة. أسرة برج. أسرة خندق. أسرة مَبعث. ثم سياسة لإنجاح المشروع الإسلامي، وصنعِ مستقبل الحكم الإسلامي.
ومستقبل الأمة، مستقبل الخلافة على منهاج النبوة، مستقبل الإسلام في العالم ينتشل الإنسان ويهديه سبيل الملِكِ الديان، تصنعه المؤمنة من موقعها التاريخي حيث وضعتها القدرة الإلهية، إن سَبَقَتْ لها من ربها سابقة جِهاد، واصطفاها لذلك رب العباد.
هذه خاملة الهمة، كسيحة الإرادة، ناضب في قلبها الإيمان. لا تُحرك ساكنا من كسلها الوجودي لتعلَم هل لها من نصيب في السعادة العظمى مع المجاهدات. لا تضع قدما في ساحتهن لتخطُوَ معهن خطوة ثم خطوة حتى يَحْلُوَ لها معهن السير. أي بَيتٍ بيتُها تلك التي جانَبت السياسة، وجهلت مجرى التاريخ، وحجب عنها الحقائق ما ترى وما تسمع من أزيز حركة الكفر في سماء الدنيا ودبيب ناره في الأرض؟
المؤمنات يثِقن بوعد الله وموعود رسوله. أقدامهن ثابتة في أرض المعارك، وهمُّهن الله تعالى والمصير إليه، مهمتهن في الحياة وهدف عُمُرِهن تقديمُ دفعةٍ في مشروع سنة ربِّنا الغفور الشّكور لتُحْسَبَ لهن جهادا. وإن الله تعالى بالغ أمره، وما يقلِّبه سبحانه في الليل والنهار، وما يُديل من دُوَل، وما يرفَع من قِسْط ويخفض، وما ينصر من قوم ويخذل، إن هو إلا مُفَصَّلُ بلائه للعباد. في نهاية التقليب وَالرفع والخفض أمرٌ هو بالغه سبحانه، بدفعتكِ من وزن الريشةِ، أو يُوَكِّل الله بالمهمة قوما ونساء.
حكمة المولى سبحانه فيما يأتي به في ليل ونهار لا مجال لنا فيها. والمستقبل الغامض في أعيننا أمر حاصل بالفعل في علمه ومطلق قدرته. سميت نفسَكِ صانعة المستقبل تفاؤلا أن يتاح لكِ موقِع قدم، أو تنهض بِكِ ناهضة. وإلا فالمستقبل الإسلامي، بمشاركتِك أو بدونها فجر طالع، يتلوه ضحى ماتع ونهار ساطع. لا إله إلا الله محمد رسول الله.
في الحديث النبوي الذي رواه مسلم وأبو داود والترمذي والإمام أحمد وغيرهم عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله زَوَى لي (أي جمع أمام عيني) الأرضَ، فرأيت مشارقها ومغاربها. وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوِيَ لي». وقد وضعنا في أول الكتاب حديث البشارة بالخلافة الثانية على منهاج النبوة.
إن اصطفى المولى عز وجل المؤمنة كانت منبِتاً وأصْلا. تكون أصلا للبذور الطيبة، ومنبتا للشجر الطيب إن كان لها في سماء الإيمان والإحسان مطلع، ومن أرض العبودية لله وحده لا شريك له مَشْرَعٌ. اكتملت فيها التربية فهي منها فائضة كالنبع الكريم يَجود. اكتمل فيها الوعي وتكامل بين وظيفتها الأمومية، وجهادِها الحركي، وإعدادها القوة للتغيير التاريخي الطويل النفَس.
مستقبل الذرية حتى تتعلم وترشُد وتتزوج وتندرج في الحياة. صنع المستقبل السياسي للحركة الإسلامية مصاوَلةً ومطاولةً للمبطلين. صنع تاريخ الإسلام. مسألة أجيال، مسألة قوة أجيال، مسألة كفاءة أجيال، مسألة إيمان أجيال، مسألة تربية أجيال، مسألة تأصيل أجيال، مسألة توصيل أجيال لتستقي من ينابيع الوحي وتستنير بأنواره. والحمد لله رب العالمين.
أضف تعليقك (0 )