post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

مبادءات في التربية الجمالية :



أقرأ في هذا المساء تقارير إخبارية «تُبشّر» بآخر ما تفتق عنه عملاق التصنيع الحاسوبي الأمريكي آبل، هواتف «ذكية» ذات خصائص تَسحر المنشغلين بهوس التكنولوجيا وتخلُب الألباب الطائشة. التقارير الطبية «تُحذّر» من خطر هذه الهواتف على النصف الأيمن من الدماغ خصوصا لدى المراهقين، وتأثيرها بالتالي في قدرات التواصل والإدراك، بل وفي طاقات الإبداع والتخييل لديهم.أما برامج التلفزيون فآثارها في تأخير المهارات الحياتية عند الأطفال بادية، وبثها لثقافة العنف والسلوك العدواني والانطواء على الذات. طواحين تكنولوجيا الاتصال وبرامج التلفزيون ماضية في تحطيمنا، ولا ندري إلى أين ينتهي بنا السير!



فكيف نستنقذ فِلذة الكبد من مهاوي التَّلف ومعمعان هذه الصناعة الهوجاء؟كيف وقد &#8220;وَلَغَتْ البرامج التلفزيونية في حَرَم الأسرة فزادتها تفكيكا، وشَكَّتْ خرطوم مُنَوَّعاتها المبتذلة النجِسة في أحشائها، وسَرقَت الأطفال من أمهاتهم وآبائهم، وقتلت الوقت فلم يبق لواجب الاتصال الحميم بين الآباء والأبنـاء فرصة ليتصل حبل الفطرة. سبق التلفزيون إلى النفوس الطرية فَنَفثَ فيها من سمومه قبل أن تُتاح الفرصة للكلم الطيب ليصلح بذْرُها ونَماؤُها وثبات نبتها وإثمار فرعها&#8221;.<a id="_ednref1" href="#_edn1">[1]</a>



الأسرة مفككة والإعلام أهوَج والحرب التكنولوجية علينا تزداد ضراوة، وهذه الأجيال من أبنائنا وبناتنا تعصف بها رياح البث المائج والالتقاط الهائج. ولا فكاك لنا من هذه المعضلة الكاوية إلا ببناء أُسرنا على أساس متين. فالأسرة المحضن الأول لكل إنسان سوي ومن أمه يستقي آدميته؛ تُعلمه كيف يصير إنسانا، تبادئه باللِّبَأ حتى يقوم بَدنه، تغذي فؤاده ووجدانه حبا وحياة. الأم عماد الأسرة. ولله در حافظ إبراهيم:الأم مــدرسـة إذا أعــددتـهـــا&#8230;أعـددت شعبا طيب الأعــراق



الأم روض إن تعهــده الحيـــا&#8230;بالـــريّ أورق أيمـــا إيــــراق



الأم أستــاذ الأساتــذة الألــــى&#8230;شغلت مآثرهم مدى الآفـــــاق



داخل البيئة الأسرية يتحدد سلوك الطفل واتجاهاته، ووظيفة الأبوين احتضان فطرته ورعايتها؛ فـ&#8221;مامن مولود إلايولد على الفطرة&#8221;.<a id="_ednref2" href="#_edn2">[2]</a> والفطرة استعداد الإنسان لبلوغ الكمال.في الأسرة المتوازنة للأب وظيفته فيها وللأم مهماتها، يعلّمان الإبن والبنت ما يناسب عمره وجنسه وتطلعاته الشخصية في مستقبل الأيام؛ فإنما يولد الطفل في بيئة يتفاعل معها حواراً ونقاشا جاداً وبناء للشخصية وسلوكها، ليتشرب الطفل من أبويه أخلاقهما وعاداتهما وربما أذواقهما. وبعد الأسرة تكمل المدرسة البناء تربية وتعليما.وإن نهضة الأسرة والمدرسة وانبعاثهما رهين بتغيير الإنسان والعالم.



يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: &#8220;إن إصلاح البيئة الأسَرية تهييء لينشأ الطفل في سنواته الأولى على حَسَن العادات، وليتعَلَّم العلم النافِعَ من الأم والأب والإخوة الكبار، وليستعد للانطلاقة الجدية في المدرسة. الأسرة والمدرسة لكل منهما مهمة تكمل الأخرى&#8221;.<a id="_ednref3" href="#_edn3">[3]</a>



وإنما تتغير حال الإنسان بالتربية؛ فنبذل الجهد كلّه في تربية النشء معرفيا وأخلاقيا وجماليا، إن عرف واجباته التي عليه أداؤها وحقوقه التي له التمتع بها، انصرف همُّه للتعلم والبناء.نبتغي تربية تسعفه في الإجابة عن الغاية من وجوده ثم قراءة آيات الله في الأنفس والآفاق.ومما يربّى عليه النشء التربية الجمالية،تربية تؤهله للتحرر من ربقة التقليد والخمول؛فلا يكرر ما تعلمه على نحو ببغائي تتعطل بموجبه وظائف الإفهام والاستفهام، بل نسعى إلى تحرير مخياله واستعداده القلبي والحسي لتذوق كل جميل.وإن لجسم الطفل عليه حقا؛ فالعقل السليم في الجسم السليم، فنراعي في إثر ما سبق مقتضيات التربية الجسمية، التي تحفظ الجسم من الوهن والأدواء وتضفي عليه حلة من الرشاقة والصحة.



ومبدأ التربية الجمالية أن &#8220;يرَبَّى النشءُ على دوام الطهارة والنظافة، والسواك، والتطيب، والعناية بخصال الفطرة من شعر وأظفار. ويُرَبَّوْنَ على لُبس اللباس البسيط الأنيق بلا ترف ولا تَشَبُّه بالكفار ولا تكبر، وعلى ترك الزينة الحرام، وعلى الكلمة الطيبة، والحياء والوقار، والبِشْرِ الدائم والابتسامة المشرقة، وكلمة السلام عليكم، وتشميت العاطس إلى سائر ما فصلته السنة النبوية من جماليات وآداب&#8221;.<a id="_ednref4" href="#_edn4">[4]</a>



آداب يتجمل بها الطفل ويسلكها تحت وحي من المحاكاة الفطريةفي نفسه وغريزة التقليد لديه، وإن القدوة الحسنة لهي وحدها القادرة على تثبيت الآداب وتهذيب السلوك. و&#8221;كيفما تكن شخصية الطفل فلن يكون بمنحى من تأثير المثال الذي يجده في البيت أو المدرسة وكيفما تكن الأوامر التي تعطاه، فإن داعي التقليد سيكون أقوى من هذه الأوامر. لذا فمهم جدا إذا أردنا أن نعطي الطفل خلقا صالحا أن نهيء له وسطاصالحا. لنجنبه في البيت كل عارض يطلع فيه على شر الأعمال، لنقتصد في أقوالنا ولنبد الاحترام لحقوق الغير إن أردنا أن يكبر الطفل غير ثرثار ولا مستخف بالناس. وليكن جو المدرسة خاليا من أمثلة السوء&#8221;.<a id="_ednref5" href="#_edn5">[5]</a>



وفي التربية الجمالية نفيد من التجارب التربوية القديمة والحديثة، بما يخدم غاياتنا في التربية؛ وفق نظرة جمالية متكاملة وبناء تصور لاحب عن التربية الجمالية؛ بدءاً تعليم الآداب والفنون وتعلّمها في معاهدها المتخصصة، ثم ببث روحها فيما يتعلمه أبناؤنا في مدارسهم،حتى يسيح الطفل غض النفسِ في عوالم الصوت واللون والحرف.عوالم تنمي في الطفل روح الاكتشاف والإقبال على التعلم، وتفتح بصيرته لقراءة محيطه والتكيف معه بشكل أيسر من غيره.&nbsp;



ندرج في تعليم النشء تذوق الجمال المسموع فتتهذب الأذن بالأنغام الموزونة والألحان الشذية حتى يطرب لصوت الصفاء فيسمع كلام الله، ثم يتلذذ بالجمال المرئي وتناسق الألوان في الطبيعة شجرها وطيرها وما يدبّ على ظهرها، فتدله الطبيعة بوصفها كتاب الله المنظور على القرآن الكريم بكونه كتاب الله المسطور، فيرى آيات الله﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ﴾.<a id="_ednref6" href="#_edn6">[6]</a>



<hr class="wp-block-separator has-alpha-channel-opacity"/>



<a id="_ednref1" href="#_edn1">[1]</a>ياسين، عبدالسلام، العدل: الإسلاميون والحكم، مطبوعات الآفق، الدار البيضاء، ط1، 2000. ص.534 <a id="_edn2" href="#_ednref2">[2]</a>صحيح مسلم، الحديث. 2658. <a id="_edn3" href="#_ednref3">[3]</a>ياسين، عبدالسلام، تنوير المؤمنات، ج2، مطبوعات الآفاق، الدار البيضاء، ط1، 1996.ص.232. <a id="_edn4" href="#_ednref4">[4]</a>ياسين، عبدالسلام، إمامة الأمة، دار لبنان للطباعة والنشر، بيروت، ط1،2009.ص.188. <a id="_edn5" href="#_ednref5">[5]</a>ياسين، عبد السلام، مذكرات في التربية، دار السلمي، الدار البيضاء، ط1، 1963. ص. 130. <a id="_edn6" href="#_ednref6">[6]</a>سورة السجدة، الآية: 7

مبادءات في التربية الجمالية 

هدنة بطعم الانتصار

أدب وفن

مبادءات في التربية الجمالية

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

أهلا رمضان

شعراء في حضرة الحبيب ﷺ

الوضوء: فضله وكيفيته وروحه

في شروط تحرير فلسطين عند الإمام عبد السلام ياسين

من دروس غزوة الخندق

رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان

مقالات ذات صلة