من لم يهتم…
لا أخطر على الأمة من خمول أبنائها، ورضاهم الصامت بدين الانقياد، حتى يصبح من أصولهم الاشتغالُ عن الأمر العام بسفاسف الحياة اليومية. ولا تزال تسمع اليوم من يوصيك أن لا تشتغل بما لا يعنيك، وما لا يعنيك هو سياسة أمتك. لا يعنيك الضَيْمُ النازلُ عليها، لا يعنيك هزائمُها، لا تعنيك المؤامرة اليهودية الصليبية عليها. لا يعنيك الحكام الخونة وعبَثهُم بمصيرها.
إن عامة أمتنا لا تزال نائمة من أثَرِ سُبات القرون، استقالت أمام الحكم الفردي عن حقها وواجبها في تصريف شؤونها. فالحكام اليومَ سادة من فوق رؤوس الأمة، لا ينازعهم إلا أحزاب سياسية تنتظم فيها الأجيال التي انقطعت صلتُها بالدين. وتسعى الطبقة السياسية المتمكنة في أجهزة الدولة والإدارة أن تُبْقِيَ الحركة الإسلامية على هامش ما يجري، وتفسدَ سمعتها، وتفصِلَ بينها وبين عامة الأمة بالبهتان المفترى، والتهديد، وكلِّ وسائل المحاصرة. مستعينة في ذلك ومتعاونة مع قوى الجاهلية المتألبة على الإسلام. تلك القوى التي تقودها اليهودية العالمية بتفاهم كامل، وسنَدٍ ماديٍّ ومعنويٍّ من جانب الدول الكبرى.
إنها حرب على الإسلام وأهل الإسلام. وكل مواجهة لا بد لها من تعبئة. وقد آن للأمة أن تهتم بمصيرها وراء قيادتها الطبيعية، وأن توقظها فضائح الزعماء المغَرَّبين، وفشَلُهم الذريع على كل الجبهات، إلى حقائق ما يجري خلف ظهرها من مساومات هي فيها البضاعة البخسة.
موقف الأمة اليومَ حَرِجٌ، والعالَمُ حَلَبَةُ صراع لا يُرْحَمُ فيها الضعيف. فعلى جند الله أن يقتحموا العقبات الحائلة بينهم وبين حيازَة ثقة الأمة ليبثّوا فيها وعيا إسلاميا فعالا، وليرفعوا فيها العزائم والإرادات، حتى يكون التغيير المنشود باسم الله، وعلى يد جند الله، وانطلاقا من كتاب الله، وتأسيا برسول الله. ألا وإن دين الله غير دين الانقياد، وغير ملة الخمول والاستقالة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الحاكم عن ابن مسعود: «من أصبح وهمه غير الله فليس من الله. ومن أصبح لا يهتم بالمسلمين فليس منهم». في الجامع الصغير إشارة لصحته.
إن كان حكام الجبر يُعلنون اليوم انتماءهم للإسلام لاحتواء الصحوة الإسلامية وتملق الأمة الغَيورة على دينها، فلطالما برهنوا بمواقفهم المخزية أنهم قلبا وقالبا مع أعداء الإسلام، ومع المتنكرين لعقيدة الإسلام. فكفرهم البَواح، ومعصيتُهم لله الصُّراحُ، يُقصيانهم عن دائرة الإسلام. ويُقصي الإسلام أيضا من لم يهتم بالمسلمين ومصير الأمة كما قرأنا في الحديث.
أمامنا واجب مقدس تُجاهَ الأمة، وهو أن نعلمها أن الدين ما هو صلاة ناعسة وصيام وتنسك وحوقلة عاجزة في المساجد، لكنه جهاد شامل، إقامة الصلاة والصيام والزكاة والحج أركانه المنبثقة عن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وهي شهادة تحرر من عبودية البشر، وظلم البشر، ووصاية الحاكم الجائر على الأمة.
على رجال الإسلام أن يحركوا الهمم النائمة لينفُضوا غبار الخمول، ويُحْيوا شهامةً ترفُضُ الذِّلَّة، ويُجددوا إيمانا يُذهب عنا الوَهْن وغثائية تُفتتنا أشلاءً. روى الطبراني عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أصبح وهمُّه الدنيا فليس من الله في شيء. ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم. ومن أعطى الدنية من نفسه طائعا غير مكره فليس منا».
إعطاء الدنِيَّة هو الرضى بالذل، هو الخضوع للظالمين. وبيننا وبين أن تصبح القومة الإسلامية حقيقة تاريخية أن تتغلغل العزة بالله في نفوس الأمة، حتى يصبح الموت أحب إلينا من حياة الهَوان، وحتى تكون الشهادة في سبيل الله أغلى الأماني، وحتى تكون الذلة المضروبة علينا أبغضَ إلينا من كل بغيض. من كلام أبي بكر الصديق رضي الله عنه: «ما ترك قوم الجهاد إلا ضربهم الله بالذل». ولا ذل أشنع من احتلال اليهود مسجد الله المقدس يسوموننا فيه سوء العذاب. وحكام الجبر يعقدون الهدنة، يصنعون «السلام» الذليل، لا هَمَّ لهم إلا البقاءُ على الكراسي.
الأمة ضحيةُ الدعايات ضد الإسلام، والشبابُ ضحية التهريج والتهييج باسم الثورة والتقدمية والقومية، وتاريخُنا اليوم سلسلة اضطرابات وانقلابات لا قرارَ لها. غُثاء يَذهب به السيل كلَّ مذهب. والقومة تعني نهضة، ولا ينهض الجسم العليل المفَكَّك. القومة تعني حركة إرادية، ولا يتحرك المشلولُ. القومة تعني تغييرا للمنكر، ولا يُغيِّر المنكرَ من لا يعرف المنكرَ في أسبابه، ودخائله، وماضيه، وحاضره، وحُماته. القومة تعني جهاداً منظما، ولا جهاد بدون تربية الأمة وتعبئتها للجهاد المرير الطويل.
المصدر: الإمام عبد السلام ياسين، رجال القومة والإصلاح، منشورات الصفاء للإنتاج، الطبعة1/2001، ص: 23 ـ 26 (موسوعة سراج)
أضف تعليقك (0 )