نظرات الإمام في أحاديث مبشرة بمستقبل الإسلام:
فلننظر كيف جاءت كلمة «منهاج» في كلام النبوة لنستخلص منها مفتاح الطريق في رفقتنا هذه التي تنطلق من الإطلال على حاضرٍ مُرٍّ، وتتبع ما رسمه الوحي لتاريخنا الماضي والحاضر والمستقبل.
الحديث الأول:
روى الإمام أحمد رحمه الله بسند صحيح عن حبيب بن سالم رحمه الله عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: «كنا قعودا في المسجد مع1 رسول الله عليه وسلم، وكان بشير رجلا يكف حديثه. فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال: يا بشير بن سعد، أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء؟
فقال حذيفة: أنا أحفظُ خطبته. فجلس أبو ثعلبة. فقال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة. ثم سكت. قال حبيب: فلما قام (أي وَلِيَ الأمر، وأحتَفِظُ باستعمالهم لكلمة قام فلنا معها شأن) عمر بن عبد العزيز، وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته، فكتبت إليه بهذا الحديث أذكره إياه. فقلت له إني أرجو أن يكون أمير المؤمنين، يعني عمر، بعد الملك العاض والجبرية. فأدخل كتابي على عمر بن عبد العزيز، فسُرَّ به وأعجبه».
من خلال هذا الحديث النبوي تدخل كلمة منهاج لتؤدي وظيفتها الحركية، إذ تربط تاريخ انبعاث الأمة بعد أطوار الخلافة الراشدة الأولى، فالملك العاض، فالملك الجبري، باتباع المنهاج النبوي. والحديث يتضمن الوعد الصادق بأن الخلافة الراشدة تعود. يتشبث وهم التاريخانيين بنظرية «الحتمية التاريخية» التي لا سندَ علميا لها والتي انتهى أجلها مع موت الإديولوجيات في عصرنا، ويملأ هذا الوهم في تفكير المادي فراغا خلَّفَه كُفْرُهم بالقضاء والقدر. وها هو هذا الحديث يجمع لنا:
-1 شرع الله الذي يضمن الخلافة في الأرض لمن اتبع الهدي النبوي.
-2 قدر الله الذي يَكشف أطوارَه الوحيُ، وتبلغُ بشارتُه عمر بن عبد العزيز رحمه الله فيُسَرُّ، وتبلُغُنا فنُشَمِّرُ احتفاء بالبشرى، وتأهبا لورود القدر الموعود، توكلا منا، مع إعداد القوة، واتخاذ الأسباب، لا نعاسا وأحلاما. مقدمات لمستقبل الإسلام، ص 26-28.
أضف تعليقك (0 )