post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

القلب المؤمن هو الذي يفهم عن الله مقاصد حكمته ورحمته، فيخضع لقدر الله راضيا بقضائه، مجتهدا في تحقيق مطلب السعي في حفظ النفس من موارد الهلاك. ومقام المؤمن في هذا بين منزلتين، شكر وصبر، قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: &#8220;عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ&#8221;.[1]



ولنا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير موجه ودليل، في كيفية تعامله مع الأمراض والأوبئة الفتاكة، فقد بين صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة مبادئ الحجر الصحي، فمنع الناس من دخول بلاد أصابها الطاعون، ومنع أهل البلاد من الخروج منها. وحدد حكما لكل من خالف أمره، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: &#8220;الفارّ من الطاعون كالفار من الزحف، والصابر فيه كالصابر في الزحف&#8221;. [2]



ولنا فيما رواه البخاري رحمه الله في باب ما يكره من الاحتيال في الفرار من الطاعون، من قصة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين خرج إلى الشام فبلغ بلدة يقال لها &#8220;سرغ&#8221; عند اليرموك فأُخبِر أن الطاعون وقع بأرض الشام، فاستشار المهاجرين والأنصار ووقع الرأي على العودة وترك ما عزموا عليه. فقال أبو عبيدة بن الجراح: أفراراً من قدر الله؟ فقال عمر لو غيرُك قالها يا أبا عبيدة نعم، نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله، أرأيتَ لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيبا في بعض حاجته، فقال: إن عندي في هذا علما، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه) قال: فحمد اللهَ عمرُ ثم انصرف. &nbsp;



وورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعية مأثورة، منها:



<ul class="wp-block-list">
<li>ما يُـقال قبل نزول البلاء: قال رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قالَ: «بِسْمِ اللَّهِ الذي لا يَـضُرُّ مع اسْمِهِ شَيءٌ في الأرضِ ولا في السَّماءِ وهُوَ السَّميعُ العَليمُ» ثلاثَ مَرَّاتٍ لمْ تُصِبْـهُ فَجْأَةُ بلاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ، ومَنْ قالها حِينَ يُصْبِحُ ثلاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبـهُ فَجْأَةُ بلاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ».[3]</li>



<li>الإكْثار من قولِ: «لا إله إلا أنت سُبحانكَ إنِّي كُنتُ من الظالمين». لقول الله عز وجل: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 87-88] يقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «دعوةُ ذي النُّون إِذْ دَعا بها وهو في بَطْنِ الحُوتِ: «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمينَ»، لَم يَـدْعُ بها رجلٌ في شيءٍ قطُّ إلا استجابَ اللهُ له».[4]</li>



<li>التَّعوذُ مِن جَهْدِ البلاءِ: «كان رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَـتَـعَـوَّذُ مِنْ جَهْدِ البلاءِ، ودَرَكِ الشَّقاءِ، وَسُوءِ القضاءِ، وشَماتَةِ الأَعدَاء».[5]</li>



<li>سؤالُ الله العَافيةَ عِند الصَّباحِ والمسَاء: عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: «لَمْ يَـكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَعُ هَؤُلاءِ الدَّعواتِ حِينَ يُصْبِحُ وحِين يُمْسِي: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العافِيَـةَ فـي الدُّنيا والآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَفْوَ والعافِيَـةَ فـي دِيني ودُنْـيايَ وأَهْلِي ومالِي، اللَّهُمَّ اسْتُـرْ عَوْراتِي، وآمِنْ رَوْعاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِـي مِنْ بَـيْنِ يَدَيَّ، ومِنْ خَلْفِي، وعَنْ يَمِيـنِـي، وعَنْ شِمالِي، ومِنْ فَوْقِي، وأَعُوذُ بِعَظَمَـتِكَ أَنْ أُغْتالَ مِنْ تَحْتِـي».[6]</li>



<li>الإكثار الـدُّعَـاءِ: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فُـتِـحَ له مِنـكُمْ بابُ الدُّعاءِ فُـتِحَتْ لـه أَبـوابُ الرَّحْمَةِ، وما سُئِـلَ اللَّهُ شَيْـئًا &#8211; يعني: أَحَبَّ إِليـهِ &#8211; مِن أَنْ يُسْأَلَ العافِـيَـةَ».[7]</li>



<li>وقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الدُّعاءَ يَـنْـفَعُ مِمَّا نَـزَلَ ومِمَّا لمْ يَنْزِلْ، فَـعَـلَـيكُم عِبادَ اللهِ بالدُّعاءِ».[8]</li>



<li>وعن أبي هريرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يُـورِدُ المُمْرِضُ على المُـصِحِّ».[9]</li>



<li>صَنائعُ المَعروف وبذلُ الإحْسانِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ».[10]</li>



<li>قِـيَـاُم اللَّـيْـلِ: عن بِلالٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «عليكُمْ بِقيامِ اللَّـيْـلِ؛ فإِنَّـهُ دَأبُ الصَّالِحينَ قَبلكُم، وإِنَّ قِيامَ اللَّيلِ قُربَـةٌ إلى اللهِ، ومَنْهاةٌ عنِ الإِثْمِ، وتكفِيرٌ للسَّيِّـئاتِ، ومَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عنِ الجَسَدِ».[11]</li>
</ul>



ولا يستغني المؤمن بالدعاء وحده، فيلتمس النجاة فيه مع التسليم بقضاء الله العزيز الحكيم، بل يجمع إلى ذلك مطلب استقصاء أسباب الوقاية والعلاج، والحذر مما حذر منه الأطباء من الالتزام بالحجر الصحي، فنتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجة، عن عمر بن الشريد أن عن أبيهِ قالَ: &#8220;كانَ في وفدِ ثقيفٍ رجلٌ مجذومٌ، فأرسلَ إليهِ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ارجِع فقد بايعناكَ&#8221;. وبهذا التزم صلى الله عليه وسلم بإجراء وقائي، ليعلمنا ضرورة الأخذ بالأسباب الصحية حفظا للنفس من التهلكة. لأن &#8220;صحة الأبدان شرط في صحة الأديان&#8221;.[12]



<hr class="wp-block-separator has-alpha-channel-opacity"/>



[1] . أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير (2999). عبد السلام ياسين، شعب الإيمان، ط 2، 1439-2018، 1/ 295. [2] . الجامع الصغير للسيوطي، دار الكتب العلمية- بيروت، رقم الحديث: 5954 [3] . أخرجه البخاري في الأدب المفرد (660)، والترمذي (3388)، والنسائي في &#8220;عمل اليوم والليلة&#8221; (346) [4] . أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب ما جاء في عقد التسبيح باليد (3505)، واللفظ له. والنسائي في الكبرى، كتاب عمل اليوم واللّيلة، ذكر دعوة ذي النّون، (10417). عبد السلام ياسين، شعب الإيمان، ط 2، 1439-2018، 1/ 219. [5] . أخرجه البخاري في الصحيح رقم: 6616. [6] . أخرجه أبو داود (5074)، والنسائي (5530)، وابن ماجه (3871)، وأحمد (4785). [7] . أخرجه الترمذي (3548) واللفظ له، والعقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (2/324) مختصراً، والحاكم (1833) باختلاف يسير. [8] . رواه ابن عساكر في معجم الشيوخ رقم: 2/1183 [9] . رواه مسلم (2221)، وابن ماجه (2869)، والبيهقي (7/217)، وابن عبد البر (7/427). [10] . أخرجه الطبراني في الكبير، رقم: 8014. قال الهيثمي: «إسناده حسن»، 3/115، رقم: 4637. وهو حديث حسن. عبد السلام ياسين، شعب الإيمان، ط 2، 1439-2018، 2/ 16. [11] . أخرجه الترمذي (3549) واللفظ له، وأبو نعيم في ((الطب النبوي)) (115)، والبيهقي (4833) باختلاف يسير. [12] . عبد السلام ياسين، حوار مع الفضلاء الديموقراطيين، ص: 149.

التزكية والدعوة

هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الأوبئة

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

شعراء في حضرة الحبيب ﷺ

الوضوء: فضله وكيفيته وروحه

أهلا رمضان

في شروط تحرير فلسطين عند الإمام عبد السلام ياسين

من دروس غزوة الخندق

رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان

مقالات ذات صلة