post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

هل تزداد المدن بؤسا وخرابا؟
سعى خراب البادية إلى خراب المدينة، يوسعها بؤسا وتوسعه فسادا. اختلط ضحايا التحول الوافدون من البادية مع العاطلين من أبناء الحاضرة وبناتها اختلاط الحابل بالنابل. فاندرست في الضواحي المكتظة بمدن القصدير فضائل البادية، وقيم التكافل بين الأقرباء، ومعالم الحياء والعفة والشهامة وصون الكرامة وماء الوجه. في المدينة الكبيرة لا يتعارف الناس، ولا يتحاشَى أحد معرة السلوك الشائن لأنه مجهول بين مجهولين، ولأنها بَائسة بين البائسات. نكِرات بين نكرات.
من البادية وفدت القرويات. ألفن في البادية رعي الماشية وحِصاد الزرع وجمع الحطب والتشمير عن ساعد الكدح، جنباً إلى جنب مع الرجل، تكنُفهما براءة الفطرة، وجدية العمل، وشظف العيش، واستغراق الوقت والجُهد في تجميع ضروريات المعاش.
وفدن من البادية هروبا من بؤس في أحضان الطبيعة كان يُخَفف من وقعه ألفة القرابة وحُنوّ الخالة والعمة إلى مدن القصدير حيث تتزوج رذائل البادية، وقد أفلتت من مُناخ الفطرة، برذائل المدينة، وحيث يتضاعف البؤس مضروبا في الشعور بالحرمان.
من نلن حظا من التعليم اليدوي من بنات المدينة الفقيرات أو من الجيل الثاني والثالث من وافدات البادية، يُصبْن، بل يصيبُ بعضهن، بل قد يصيب بعضهن أو لا يصيب عملا في مصانع الخياطة والتعليب وخدمة الآلة الصاخبة الآمرة الناهية. أجيرات مؤقتات بلا ضمان ولا استمرار ولا استقرار.
عاملات يعشن في هم اليوم والغد، يعانين من ظلام الجهل والأمية، ومن فقدان التوازن النفسي، ومن انعدام الأمن على المعاش، ومن الزحمة الشديدة في وسائل النقل، ومن سوء معاملة رب العمل ومراقب العمل، ومن الغربة بين حركة المدينة وضوضائها منذ تحولن من نمط العيش القروي وبساطة بيئته وسذاجة علاقاته البشرية.
هذا بعض ما تفعله شريعة السوق للمحظوظات اللواتي ظفِرن بعمل. أما أسراب الأميات وأنصاف الأميات غير المؤهلات فطريقهن مُشْرَع إلى سوق النخاسة البشرية والزنى مباشرة. بينما تسلك إلى سوق المهانة أخريات طريق الخدمة في البيوت، وهوان الخدمة في البيوت، وحرمان الخدمة في بيوت الناس. ومن الناس نسناس.
الخادمة المكدودة تعامل في بيوت الناس/النسناس معاملة الكلاب، يُلقَى إليها بدِثار للنوم على الأرض وتأكل من الفُتات. كمَدها في صَدرها، وحقدها على العالم وعلى الناس تصبه صامتة على أطفال سيدتها التي قد تَكون موظفة تعاني بؤسا من نوع آخر أو مترفة يخدمها طاقم من البائسات.
شريعة الله من أين تبدأ إصلاح ما أفسده المفسدون يوم ترث التَّرِكة الثقيلة؟ كيف تُعامل بؤس المرأة والرجل؟ هؤلاء البائسات اللواتي يعرضن أجسامهن للبيع في شوارع عواصم التحول هل هن المنكر، أو المنكر ما جعلهن بائسات؟
طفلة جاءت من باديتها في ربيع العمر، تكتشف بَهْرج المدينة، وتشاهد ما يؤجج شعورها بالحرمان من متاع الأخريات المدنيات، وترفهن، وألبستهن، وسياراتهن، وطعامهن، وحفلاتهن، وأزواجهن، وما إلى ذلك. ثم لا تجد من سبيل للتقرب من عالم الرفاهية إلا أن تسعى للخدمة في بيوت من يذيقونها عَلْقَم الحياة بينما هم يكرعون من لذات الحياة.
خيبة أمل، وضغينة، وكمد في الصدر، وشارع، ومعرض فاحشة.
ما تفعل أنت يا أخي يا صاحب فتوى «لا يجوز!»؟ يا حاميَ الشريعة وراعي الفضيلة؟ يأيها الصادقون المؤمنون؟ يأيتها الصادقات المؤمنات؟
ما نفعل إن سترنا جسم المرأة وطاردناها في الشوارع لتغطي شعرها؟ هل نغلق سوق الرذيلة وباب البؤس إن ألبسنا نساءنا لباسا محتشما وتركنا الداء الكمين في الأحشاء يستشري؟
إنما يعالج بأساء الفقر وضراء الرذيلة العدل. والعدل الدرهم. والدرهم وطنه السوق. والسوق اقتصاد وسلع وإنتاج وصناعة ومنافسة وتسويق. السوق عالمية، والعالم يسيطر عليه الأقوياء الأغنياء. العدل الشريعة والقضاء وسلطان الحكومة. لكن الشريعة والقضاء والحكومة مطاحن بلا طحين إن كسدت بضاعتك في السوق، وشَحَّ الدرهم، واختفت ضروريات المعاش اليومي من الأسواق، وارتفعت الأسعار.
يكفرون إذا بإسلامك، ويرمين ظهريا حجابا ليس معه خبز ومسكن وصحة ورخاء. عامة المسلمين والمسلمات ينتظرون من الحكومة الإسلامية، ومن شريعة الإسلام، ونجدة المطالبين بتطبيق شريعة الإسلام، خلاصا من البؤس المعاشي وإشباعا للضرورات الملحة.
عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، ج 1، ص 107-109.

السياسة والحكم

هل تزداد المدن بؤسا وخرابا؟

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

خطاب الروح الصليبي وبطشه

الأنانية والجشع وصناعة الفساد

في الذكرى 77 للنكبة.. “إسرائيل الابتلاء” وشروط النصر

خير نساء طلعت عليهن الشمس

أفق النظام العالمي

التعلق برسول الله ﷺ

مقالات ذات صلة