في حديثنا عن العقل ومرتبته في قاموس الإيمان والإحسان، قاموس القرآن، لابد أن نحدد أولا، انطلاقا من القرآن ورجوعا إلى القرآن معنى “عقل”. بعد ذلك يسهل أن نُدرجه في مكان وظيفته حيث يشغل مكانته في حياة المسلمين.
العقل الذي تحدث عنه القرآن وأشاد به وعدَّله واستعمله شاهدا موثوقا لا يكذب، ليس هو العقل الصنم الذي يقرر من داخل منطق الكفر المادي ويمرِّرُ ويُعرِّف ما هو الحق من الباطل. بل هو العقل الذي يتفكر في الخلق، يتفكر في أن لابد للصنع العجيب الذي تشاهده الحواس من صانع. هذه واحدة. الثانية أن هذا العقل الـمُشادَ به في القرآن هو الملَكة التي يستدل بها المتفكرُ، اعتمادا على مسَبَّقات مغروزة في الفطرة، على أن هذا الصنع العجيب لا يمكن أن يكون صانعه الضروري عابثا. الثالثة أن هذا العقل يتدبر القضية الأولى والثانية ليستنتج منها نتيجة وجودية لا نتيجة فكرية منطقية باردة. يستنتج العقل المحمود في القرآن اهتماما حميما بالمصير الشخصيّ بعد الموت لأن الموت من المعطيات الكونية العامة المندرجة في النظام العجيب، المثيرة أكثر من غيرها للسؤال المحوري: هل كل هذا عبث؟
هذه الخصائص الثلاث هي المذكورة في قوله عز وجل من آخر سورة آل عمران: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾. سورة آل عمران، الآية 191…“الإحسان ج-2/ص-26”
أضف تعليقك (0 )