post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

يقول العارفون بالله “عبد الظهور عبد الظهور، وعبد الخفاء عبد الخفاء، وعبد الله عبد الله أظهره الله أم أخفاه” وهاته المرأة التي نجدد ذكر فضائلها كانت أمة لله حقا. أخفاها ما شاء الله أن يخفيها ثم أظهرها أيما ظهور آخرَ لحظة.. وإنما أسميتُ خاطرتي “أم الخفاء” لغلبة قدَر الخفاء على الظهور ولأن اسم الأب غالبا ما يظهر والأم وراء ستار وفي رحمها تخلق الخلق وتطور.. مكتملا أو خديجا لكنها.. خديجة واكتملت. أخت أويس وأويسة في غمرة صحبة. لم تكن تُعد في قومها شيئا وصارت كل شيء، تعطيهم عطاء من لا يخشى الفقر، كأنما تتناول من الغيب نقدا وتناولهم إياه عينا. تعبر ماء مَقام بعد ماء مَقام، مُتعبة منهكة غير شاكية، تعمل للمُقام الحق. من عرف ما طلب هان عليه ما وجد.. لا توقفها المعابر ولا تردها الحدود ونقاط التفتيش، لبلوغ معالٍ أو لاقتناء جَهاز عروس من أندلس مفقود موجود لم يُفصَم منا حبله السُّري، لم يُفطم عنا رغم حروب الاسترداد..  يتساءل مُساكنها هل تنام قط؟ وفي كل وقت من ليل أو نهار تجدها قد هبت إليك. تمشي برفق على خد الأرض في حاجتك قبل حاجتها. حاجتك عينُ حاجتها، يقينا أن حاجاتها تُقضى مثل تأمين ملائكةٍ على دعاء في ثلثٍ آخر بظهر الغيب. أو بظهر الحضور .. كل ثلث لديها أخير وقد أعلنت على راحتها النفير..  ذكره ذكرها وذكراها ذكراه. وإن كانت لمسةٌ من كمه تنجح وتربح فكيف بمن هي في بردته. أو هي بردته. هي لباسه وهو لباسها. هو سورة ياسينها وهي سورة ملكه.. وإن كان لا يفلح إلا من رأى المفلح فكيف بمن ارتوى من حضرته ورُوِيَ ورَوِي. وحُق لها حين غاب أن تستعجل اللحاق به باسمة رغم ظمأ لم يطق غورا بعد معين، وهو أبدا معين..  يبتسمان وبمثلهما يليق تبسم الزمان. كأنهما قبسا رجاء أوقِدَ في صحاري الجفاء والإعراض، يقولان، يطمئنان أنَّ الإقبال مقبلٌ بعد طول إدبار.. وأن قصعةً حاتمية طائية أبدا قد نصبت وملئت من ثريد الحب لمن شاء خير الصحبة على ضفف الجماعة..  وحتى لمن لم يشأ، ومضى سادرًا، مبلغُ حُلمه عجافٌ يأكلهن عجافٌ يأكلهن عجاف وهما يناديانه مبتسمان: “عليك بنا .. عند صحبتنا يُسقى الناس ويعصرون.. عندنا قسمة قويٍّ حفيظ.. لا كقسمتك الضيزى التي عصفت بدنيا الناس ودينهم.. وكل آت قريب والقريب ما ليس بآت.. “من أين لكما كل هذا الرجاء في الإمكان أن نجد الطريق في هذه المفاوز القاحلة المجدِبة اليائسة.. من أين لكما كل هذا الرجاء ونحن في ليلةٍ أحزاب ممتدة متطاولة عنيدة ولا خندقٌ يحمي من أي شيء وقد هبت فتنٌ على متن كل ريح هوجاء؟ من أين لكما عمود الخيمة الراسي لا تزحزح حبالَه رياحُ سبع ليال؟ من أين لكما الرجاء.. وأنتما قليلان في الزمان والمكان والبنيان .. هل أنتما قويان؟  قويان تسيران سير الضعفاء؟ إن هذا لأمر عجيب..  أنتما بسمة الصدق الرفيق المُخْصِبة كأول الغيث وآخرِ الغيث ووسطِ الغيث، بسمة مبشرة تشفي من تردد أو خاف أن يقول “ربي الله” في أرض الله وتحت سمائه رغم الابتلاء، فلا نامت أعين الجبناء.. وبسمة منذرة تقول يا قوم.. كفى نظرا مثل نظر الجنين في مشيمة الدنيا.. هذه الآخرة نُصبَ العين.. يا نيام؟ لقد نفضَ وحيُ رؤيا النبي سِوارَ كلَّ كذاب ومُبير.. ونعالُ التاريخ داست تباعا كل صروح الوهم؟ أساورُكم قيودٌ تبدو لكم حليا.. أتتباهون بالقيود؟ وبأصفاد الساعات المرصعة الغالية وهي تعد منكم الساعات وتنقصُكم من أطراف أيامكم؟ وأنتم دائرون دوران عقربها المقلوب.. اقلبوها في خط طواف حول كعبة قلبنا وقربنا؟ متى ترِدُون العين عند باب صَفاكُم؟ متى تصْفُونَ كيلا تُحرَمُوا المروى؟ هل بقي إلا عرجونٌ قديم؟ وعند ذكرى الكلمات أتى بهم نعشها يعظهم. يُدخِلهم البرزخ ضُحى وهم يلعبون. هنا مداد الكلمات. هنا كانت ستدفن في صمت. توارى ولا يسمع هسيسها أحد كما عاشت. لكن الغيرة سلت سيف رحيلها من غمده على ملأ بعد طول خفاء عند مقابر الشهداء..  غارَتِ الدنيا من الآخرة، كيف يُغادرني الطيبون والطيبات على عجل؟ ويبقى من مرجت عهودهم وذممهم.. إلا قليلا من الغرباء غربة البَدْء والعَوْد..  عند باب المقبرة بلغت غيرة الدنيا أوجها وهناك تجاذبتا الجسد المُسَجَّى.. الآخرة تستعجلها كي تلحق بالسابقين الطيبين والدنيا تريدها أن تبقى في أشعة شمسها ولو إلى حين.. ولا تدري فيما الإصرار الفارغ العنيد .. أغيرةَ ضرةٍ مجانية؟  عند باب المقبرة، أنزلت غيرة الدنيا الآلات والجحافل والأرتال عبثا تحاول وقف الارتحال عبثا تحاول وقف الفراق .. ولسانُ حالها يقول لماذا تغادرون دون سماح؟ لماذا تغادرون بلا أنشوطة فانية بالية؟ أتموتون قبل أن آذن لكم؟ إن هذا لمكر مكرتموه..

أم الخفاء

بوحٌ للذكرى

أدب وفن

أم الخفاء

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

سجل أنا شهيد

السلام عليك سيدي عبد السلام

غلاو غلاو .. كالتبر صارو يسواو

تمام ثريات الرواق

وديعة شيخه

أم الخفاء

مقالات ذات صلة