post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

الدعوة إلى الله وراثة للنبوة
فإذا شهد الإنسان أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ووفَّى بحق هذه الشهادة، فقد دخل في الدين وكان مسلما، ثم إن عبد الله عز وجل وفتح الله قلبه للإيمان انتقل من مراتب الإسلام إلى مراتب الإيمان، ثم إن نوَّر الله ذلك القلب وحلاه بمعرفته ارتفع الإنسان إلى مقامات الإحسان والإيقان والكمال.
على هذه الدرجات الثلاث، إسلام فإيمان فإحسان، تترقى الفطرة من دركات الباطل والعبث إلى معارج الحق واليقين، من ظلمات المادية والشهوانية النفسية إلى نور الروحانية، من الجهل بالله جلت عظمته إلى العلم به. هذا إن تنازل العقل المتفلسف الماديُّ الدهريُّ عن أنانيته، وقال مع القلب: ﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ (آل عمران، 191)، وزاح عن الطريق ليقوده القلبُ في مِعراجه، ونشِطَ فيما خُلِقَ له، يتلقى أوامر الشرع فينفذها، ويجتهد في الاستدلال والاستنباط، ويمهد أسباب المعاش، ويتفرج في خلق السماوات والأرض، ويستخرج كنوز السماوات والأرض، ويسخرها لخدمة الغاية التي من أجلها خُلق الإنسان.
﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾
قال ابن عباس في شرح هذه الآية: إلا ليعبدوني: إلا ليعرفوني. ولا يغيب عن ذهن من له إلمام بالدين أن عبادَة المسلم دون عبادة المؤمن، وأن عبادة المحسن الذي يعبد الله كأنه يراه فوق عبادة المؤمن. وحديث جبريل في الموضوع مشهور.
عن معرفة الله تحدثْ يا طالبَ الحق. ظلام المادية دامسٌ، ووجه هذه الحضارة الصاخبة كالحٌ عابس. تقرأ سيرةَ سلفِنا الطاهر الذين حلَّقَتْ بهم العنايةُ الإلهية في سماء الوِلاية والأنوار، من جاهد منهم في الله حق جهاده لحق بالمهاجرين والأنصار، ومن جاهد نفسه وهواها تبوأ مقاعد المكرمين الأبرار. وأنت يا غريب المطلب في زمن يُتْلى فيه القرآن كبعض الآثار، يُتَّهَمُ طالبُ معرفة الله الآيسُ من نفسه تطلعاً إلى طريق الله بالبدعة والخرافة، أو الزندقة والسخافة. هل من يُسعفُكَ بنصيحة؟ هل من يدلك على بَلْسَمٍ لنفسك الجريحة؟
إن الدعوة إلى الله عز وجل هي لبُّ الأمر كله، هي وراثة النبوَّة. والدعوة إلى الله غير الدعوة إلى الإسلام وإن كانت الدعوة إلى الإسلام بدايتها. وهي غير الدعوة للحل الإسلاميِّ في الحكم والسياسة والاجتماع والاقتصاد، وإن كان الحل الإسلاميُّ والجهاد لفرضه ونصرته بعضَ مُهماتِها، حين تكون دعوةً على المنهاج النبويِّ، وحين يكون الدعاةُ ورثةً جامعين. وهي غيرُ الدعوة إلى الإيمان وحلاوته، والذكر وتلاوته، والروحانية وكرامتِها، وإن كان كل ذلك بعضَ خصائصها.
الدعوة إلى الله، الطريق إلى الله، السلوك إلى الله، الدَّلالة على الله. هذه عبارات تروج على ألسنة عوامِّ القلب لا مدلولَ لها. وكيف يثبت لها مدلول مع الغفلة عن الله. تعالى الله.
إن لب الأمر كله الدعوةُ إلى الله، وما خلق الله من سماوات وأرض، وبر وبحر، وجن وإنس، ودنيا وآخرة، وما بعث من رسل وأنبياء، وما اصطفى من أصفياء وأولياء، فإنما خلق وبعث، واصطفى الهداة، ليعبده خلقه، ويعرفه على ما ينبغي لكماله من سبقت له العناية. وإن لب هذا الكتاب هو هذا الفصل الذي نعرض فيه لهذه القضية الضائعة بين سيل الكتابة السطحية عن الإسلام والحل الإسلاميِّ.
عبد السلام ياسين، إمامة الأمة، ص 112-114.

التزكية والدعوة

الدعوة إلى الله وراثة للنبوة

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

كيف نتعلم من سنة الله في التاريخ؟

قواعد ذهبية في تربية النَّشْء

الله ابتعثنا

نحن بالله عزتنا لا تهون

12 فبراير 1949 | ذكرى استشهاد الإمام حسن البنا

نموذج الحياة الجماعية

مقالات ذات صلة