post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

تأصيل العلوم والتربية على الإبداع والاختراع
مَن يستنقذ العلوم ويعيد تأصيلها على قواعدَ مُسْلِمَةٍ من يد المحتكر الخارجي. مَن يجمع من أذكيَاء الأمة وعباقرة الأدمغة المهاجرة عَبدَةِ الدولار نواة نهضة وطليعة جهاد؟ من يفرش للمتناثر من أهل الكفاءات العلومية بساط ترحيب ليؤلفوا جندا مخلصا لله يصنعون مجد أمتهم ومستقبلها، مكافَئين اعترافا بالجميل وتقديرا للكفاءة، مرجوّا لهم عند الله حسن المآب إن هم سألوا أنفسهم سؤالا علميا عميقا: لِمَ كُل هذه الأسرار في المادة؟ ماذا وراء المادة؟ لِم أنا، ومن أين أنا؟ وإلى أين أنا؟ من كان منهم على قابَ قوسين من الفطرة لم ينسلخ عن دينه فذلك نرجوه. ومن كان منهم مؤمنا بالله ورسوله حقا وصدقا فالبيت بيته، ومن كان منهم مصليا تقيا -وهم كثير والحمد لله- فالمسؤولية مسؤوليته، وإعداد القوة لأمته فرض كفاية عليه، يأثم أشد الإثم وأنكره إن خذل، ويرشح نفسه لأكبر المنازل عند الله إن نَذر حياته وجهده وجهاده للمهمة النبيلة. من فعل ذلك ومن فعلت. وليس دماغ المرأة أقل كفاءة يا من يقرأ نبذة عن المكتشفة الطليعية مَدَامْ كوري، ويا من يقدر دقة النساء وقدرتهن على الإنجاز. حاجة الأمة ملحة ضاغطة لتربية لا تمَوِّنُ المتسوق من البضائع المعرفية ومخزونات الإنتاج العلومي مما يبيعه المخترعون، بل تَتَمثّل الرصيد العلومي وطرائقه لتبدع وتخترع وتكيف. في الأسرة ينسجم الدين والخلق والسلطة الأبوية الأمومية في حضن المحبة لتتألف عناصر التربية المتكاملة. في المدرسة الأساسية، من حيث تنطلق مسيرة اقتحام عقبة العلوم، ثم الثانوية والجامعة، ينبغي انسجام جديد غيرَ تجميع «الموارد البشرية» وترتيبها وامتحانها الإداري وعقابها وتخريجها بعدُ لسوق شغل غير موجودة. في المدرسة الإسلامية المرجوة نريد انسجاما جديدا تتقلص فيه الإدارية الدوْلية، وتحتل الدعوة القلوب لتهيئ النفوس الفتية، فتلتقي الرغبة بالتوجيه التعليمي، وتتلقاه راضية مقتنعة منساقة لا مسوقة. منذ تعلَمُ النفوس الفتية ما قيمتها في الوجود، وما مصيرها، وما حاضر الأمة التي تنتمي إليها، وما فرصة المشاركة في إنهاضها، ومنذ تثق بالموجه المعلم، وبالمربية الأستاذة، يتكون في النظام التعليمي جو آخر ملائم للتعلم غيرُ الجوِّ السائدِ في مدارس الثقافة التابعة والبطالة غير الصانعة. تثق النفوس الفتية التي بَاكَرها الإيمان وباركها على يد الدعوة بالأستاذ لا يخون أمانته، وبالتوجيه لا يمليه السياسي الحاكم من منصة التهريج، وبمستقبل تساهمين فيه بجُهد يجد مكافأته المادية العادلة في مجتمع لا يترقى فيه الناس السلّم بالرشوة والقرابة والمحسوبية، وبجهاد تجدين ثوابه عند الله إن حققَتْ عبقريتك ما عليها ببذل أقصى ما تقدرين عليه لصنع مستقبل أمتك. مثال! يا مثال! ذل من لا مثال له! خنَس من لا طموح له! خاب من لا إيمان له بموعود الله ورسوله! روح الدعوة تسري في المدرسة من نفحات الأمهات المعلمات المربيات، لتنسحبَ منها روح السيطرة الإدارية، وخيانة المكتبية التي لا تبالي، وقانون المذكرات الوزارية الغائب من يكتبها عن الميدان، وقطيعية العدد العديد الذي يجد فيه النشء نفسه أرقاما مجهولة. ليس بالروح والمثال تتغذى الأجسام، بل الأجسام وغذاؤها قِوام الروح. فالمدرسة، والجامعة بعدَها، واقتناء علوم المستقبل، وتوطين البحث العلمي، مشروعات تموت جوعا إن سَرَت الروح في المدرسة وانسحب الاقتصاد.العلوم المستقبلية ما هي فراشات مجنحة ترشُف من رحيق الأزهار، بل هي ساكن راحِل مثواه الاقتصاد، يحُلّ إن حلّ، ويرحل إن رحل. ساكن ومثوىً، وغذاء يسمى الصناعة، الصناعة بكفاءة، الصناعة بسرعة، الصناعة بتنافسية، الصناعة والتسويق في عالم الشُّطار المتفوقين. تزاحمين الكَمَّ الماديَّ والكيف البضاعي أو تموتين. تبطئين فيشطب على اسمكِ من السوق. اقتصاد ومعاش، ألسنا مع العقل المعاشي؟ زحفٌ على قطار سريع. زحف يبدأ من فجر المدرسة الأساسية، حيث يَتعلم الطفل وتتعلم الطفلة سطوح الأشياء ومبادئها، ومسميات الأسماء، والقراءة والحساب. وأثناء ذلك تدريب على التطلع لأعماق ما وراء الواجهات، وألوان الصُّوَر، وأرقام الحساب. يدرب الطفل على العمل الجماعي والتعاون مع الأقران، وتُذْكى روح المنافسة. تتولى الأمهات الحَدِبات على فلذَات الأكباد، لا الموظفات الساليات يرتبن الملفات في إدارة الدولة، توجيه العبقريات المتبرعمة والمواهب الكامنة التي تكتشفها الـمُراقبة الحَنونُ كما يراقب الزرعُ الغمامَ سنة القحط. وتُدرَّب البراعم التدريب العقلي العملي لتنمو فيهم القدرة على وصل النظرية بالتطبيق، والبحث بالنتائج، والنتائج بالمصلحة والمنفعة. في الجامعة والمدارس العليا يزدوج النظري والتطبيقي، ويكْبُر موضوع البحث، ويدخل حساب الربح والخسارة، وتوصل النتائج بسوق الشغل الآني، ويوصل الكل بمشروع مستقبل الأمة. تصنع المدرسة الأساسية شعبا واعيا من عموم الأطفال، ثم ينفرزُ الموهوبون أفواجا متوسطة تدرب التدريب المهني، وتوجه الطلائع الذكية لتنال أعلى ما يمكن من التخصص. والنخبة العليا لا ينبغي أن تُكتم أنفاسُها بالحجة الديماغوجية الباطلة حجةِ المساواة. فإن الله رب العباد زاد بعض العباد بسطة في العلم والجسم. فالأكثرون من النخبة العليا إحسانا لفن التوصيل والتواصل والإفصاح، يُزَوَّدون بالمعارف والخبرات العملية ليكونوا أساتذة، بناتٍ وبنين. أشرف ما تنذر نَفسها له المؤمنة التعليم. أما البحث العلمي العلومي فيريد ذوات القدرة وذوي القدرة على التركيز والصبر والمصابرة والمثابرة والفُضول العلمي والاطلاع على ما في العالم من دراسات تنشر، وخبراءَ يبرزون، وكشوفات تنسَخُ كشوفات. قبل ذلك الإخلاص لله تعالى والولاية لأمة الإسلام. وبعد ذلك وأثناءه مكافأة الجهد، ورصد أموال، وإرساء مؤسسات، ودعم مؤسسات كيف ينسجم كل ذلك في مدرسة إسلامية وجامعة؟ كيف تكسَبُ علوم هدفها خدمة الدين وقوام نشأتها وحياتها الذكاء والخلق والسلطة المعنوية من أعلى، والمكافأة العادلة من تحت؟ ما المنهاج التربوي والهيكلة الإدارية، والعلاقة بهذا الجانب وذاك؟ ما الآداب العامة والعلاقات البشرية بين معلم ومعلم، بين تلميذ وتلميذ، بين طالب وأستاذ؟ لنكونَ علميين في فقه نصب الآلة وتشغيلها كما كنا علميين في تخطيط الأهداف نقول: بعد توفيق الله وبركته نعتمد الشجاعة والتجربة، ونتعلم من الخطإ، ونحاول ونثابِرُ، ونسدِّد ونقارب، وننسق ونستعين بالله. وعلى الله قصد السبيل.
عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، ج 2، ص 225- 228.

تأصيل العلوم والتربية على الإبداع والاختراع

أسرى الحرب في الإسلام

الله ابتعثنا

جهاد محمد بن عبد الكريم الخطابي بعيون الإمام ياسين

السياسة والحكم

تأصيل العلوم والتربية على الإبداع والاختراع

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

سباق لطلب الزلفى

من شعب الإيمان الصوم

المؤمنة مشرفة مكلفة

رمضان وافى

من يحصي أنعما أوليتها؟

التوبة واليقظة

مقالات ذات صلة