post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

حاجات الطفل النفسية
لا نتحدث هنا عن حاجة الطفل الجسمية، حاجته إلى الغذاء والجو الصحي الذي ينمو فيه. وإنما نتحدث عن حاجته النفسية.
1.  حرية الطفل:
 <a href="https://wordpress-1153707-4083331.cloudwaysapps.com/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85-%d9%88%d8%b3%d9%84%d9%88%d9%83-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d9%81%d9%84/">الطفل</a> في حاجة إلى الجو الذي ينمي فيه مواهبه، ويبرز شخصيته، في حاجة إلى اختبار قوته ومعرفة حدودها. وهذا الجو المناسب لنموه هو جو الحرية والانطلاق الجو الذي يقدر فيه الطفل على ممارسة الأعمال المشروعة التي تستفرغ نشاطه، بحيث يعبر عن نفسه تعبيرا حرا، ويتناول الأشياء ليركبها ويحللها كما يشاء. لكن هذه الحرية قد تتعارض مع مصلحة الأسرة أو المدرسة عندما تمس بحقوق الغير، ومن هنا كان لابد من سلطة تحد من حرية الطفل. وليس شرا من الضغط على الطفل إلا الإفراط في تدليله والضعف أمام رغباته. والطفل الذي ينشأ في حجر أسرة تطلق له كامل الحرية ينشأ قلقا مضطربا يحاول أن يستعيض عن السلطة القوية التي هو بحاجة إليها ليشعر بالأمن بثوراته المتكررة وموقفه المتحدي.
2.  حاجة الطفل إلى العطف:
 مما يسبب تدليل الآباء والأمهات لأبنائهم، شدة عطفهم ومحبتهم. والطفل في حاجة شديدة إلى العطف والمحبة خصوصا في السنوات الأولى من حياته. وقد يكون الحرمان من هذا العطف أصلا لاضطرابات نفسية كثيرة تتجلى في انكماش الطفل وخوفه، وتتجلى بعد ذلك في حب العزلة والانصراف إلى كنز المجموعات والبخل. وتلاحظ كل هذه العوارض عند اليتيم الذي حرم عطف أمه وأبيه.
والطفل يألف هذا العطف، وينتظر أن يجده عند كل الكبار الذين يتصل بهم فإذا جاء إلى المدرسة، يصدمه ما يجده فيها من جد وصرامة. ويبقى خائفا مترددا أمام المعلم الذي يأمر ولا يقول الكلمة الطيبة، وإذا وجد الطفل في المدرسة الجو العاطفي الذي ألفه أو قريبا منه، فسرعان ما يستأنس ويتعلق بالمدرسة. والمعلمات بطبعهن اللين وحبهن الغريزي للأطفال، يجدن المعاملة الطيبة التي تناسب الصغار. ولذلك نراهن أن ينجحن كثيرا في الأقسام الصغيرة.
على أن الطفل بعد أن يبلو المدرسة ويعرف نظامها، يكتفي من معلمه بكلمات التشجيع والثناء، وبالابتسامة الصغيرة، ويعتبر ذلك علامة لحب معلمه وتقديره، إذا كانت هذه الكلمات وهذه الابتسامة من قلب صادق.
3.  الفضول:
إن فضول الطفل وحبه للاطلاع يظهر في سن مبكرة جدا، فمن الشهور الأولى يطلع الطفل الرضيع إلى وجه أمه ويلتفت إذا سمع صوتا ليرى مصدره ويبدأ في إرضاء هذه الرغبة عندما يبدأ في اكتشاف جسمه، فتراه يمسك بأعضائه المختلفة ويعض رجله ثم يستغرب إذا أحس بألم، لكن فضول الطفل لا يظهر تماما إلا حين يملك الطفل الكلام ويقدر على وضع الأسئلة، وأول هذه الأسئلة يتعلق بالبحث عن الأسماء، ولا ينتظر الطفل شيئا آخر إذا سأل ما هذا وأجبته باسم الشيء الذي سأل عنه، لأن الاسم وحده ثروة في نظره يزيدها على ثروته الكلامية. ويعقب هذه الفترة فترة أخرى يتجه فيها الطفل إلى السؤال عن منافع الأشياء. وبعد هذه المرحلة يزداد فضول الطفل فيكثر من قول لماذا؟
وقد قلنا إن الطفل يكتفي بأي جواب ولو كان غير منطقي، وهذا ما يحتم على الأسرة، وعلى المدرسة ألا تجيب الطفل إلا بالحقيقة كما سأل، فإذا لم نشأ أن نخبره بالحقيقة لسبب ما فمن الممكن أن نقول له بكل صراحة، أن هذا أمر لا تفهمه الآن، وهذا أفضل بكثير من أن نكذب عليه، وبما أن انتباه الطفل سريع الانتقال من موضوع إلى موضوع فمن السهل أن نصرف انتباهه إلى شيء جديد إذا وضع سؤالا محرجا، ويكفي أن يجيبه بسؤال آخر أو بملاحظة طفيفة لينسى سؤاله.
وربما يكبت الطفل رغبته في الاطلاع أمام معلمه، إذا كان يعلم أن معلمه ضيق الصدر من أسئلة التلاميذ. وإذا فكرنا أن سؤال الطفل عنوان عن اهتمامه بالموضوع الذي يسأل عنه، تبين لنا وجوب تقبل أسئلة الأطفال، وتبين لنا فائدة السؤال عنها ولو كانت بليدة في ظاهرها. بل من المفيد جدا أن نعود التلاميذ على سؤالنا ونشجعهم على ذلك.
4.  التقليد:
 كل شيء في حياة الطفل جديد بالنسبة إليه، وكل شيء يراه يتعلق به اهتمامه. وعندما يكتشف الطفل نفسه ويشعر بوجوده المستقل عن الآخرين يبدأ في اكتشاف قواه وتطبيقها على كل هذه الأشياء الجديدة. ولفقر خياله وضيق خبرته، نراه يقوم بحركة بسيطة كحمل آنية ثم وضعها. ولا يزال يكرر هذه الحركة لا يمل منها.
لكن غريزته تدفعه إلى التقليد كما تدفعه إلى اللعب. إلى تقليد الناس والحيوان في الحركات التي يشاهد ويقدر على القيام بها. ومن هذا التقليد تبدأ العادات الضرورية للحياة، وتبدأ تربية الطفل الجسمية الحركية. والطفل يقلد كل الأعمال التي يشاهدها بمناسبة وغير مناسبة، وسواء كان هذا العمل الذي يقلده ضرورة يستفيد منها مباشرة أو كان عملا تافها أو لا يفهم الطفل معناه. وقد يكون العمل الذي يقلده الطفل عملا لا يهمه في شيء، ومع ذلك فهو يقلده لأنه يهتم بالشخص الذي يقوم به.
وبالتقليد يملك الطفل حركاته، ويتصرف فيها حسب إرادته لأن الحركة التي تكررت في العضو تصبح وظيفة في هذا العضو تصرفها الإرادة. لذلك يطلب إلى الطفل أن يقلد نموذجا في الخط. وليس غرضنا إذ ذاك أن ينجز الطفل على مثال هذا النوع، وإنما نقصد أن يتكرر العمل في يد الطفل على مثال نقترحه لتثبت هذه الحركة في اليد.
وبالتقليد يفهم الطفل أشياء كثيرة ومعرفة الأشياء إنما هو معرفة تركيبها ووظيفتها وكيفية استعمالها. فإذا أمسك الطفل الموسى، وقطع به كما رأى أمه تفعل. فقد فهم المعنى فلم يبق إلا أن يطلق عليه اسمه.
وبالتقليد أيضا يفهم الطفل حتى الانفعالات العاطفية نفسها. لأن هذه الانفعالات تصحبها حركات جسمية أو آثار تبدو على الوجه: الغضبان يقطب وجهه والمستبشر ينطلق وجهه. والمتحمس تبرق عيناه. والغريزة تدفعنا إلى تقليد هذه العلامات كلما شاهدناها عند من نخاطبه وسبق أن تحدثنا عن التقليد العاطفي في حديثنا عن الإيحاء.
والطفل يبقى مقلدا أبدا، وربما يقلد حتى بعد أن يكبر كل ما يراه جديدا سواء كان شاعرا بهذا التقليد أو غير شاعر. ولذا يحث المربون على تقديم المثال الحسن للأطفال، وخصوصا في المدرسة يقلدون معلميهم في الحركات، وفي صفة الكلام وفي الأفعال.
ويشير المربون أيضا إلى مكان التقليد في التربية العقلية والخلقية وتربية الذوق. فالدروس التي تلقى على التلاميذ تتناول موضوعات جديدة لا يعرفونها. وتقدم الحقائق على صفة هم مستعدون لقبولها أيا ما كانت. وكذلك الأمثلة الأخلاقية التي تبشر بها المدرسة. هذه الأمثلة تجد فراغا عند الطفل فتكون عنده مثلا أعلى. وكذلك النماذج الفنية على نوعها وقيمتها يتوفق نضج ذوقهم واتجاهه.
ولأهمية التقليد في بناء معارف التلاميذ وأخلاقهم، يحث المربون على ألا يكون في المدرسة إلا كل مثال حسن، كما يحثون على اختيار الكتب وضبط محتوياتها.
ويوصي المربون بالاعتماد على التقليد اعتمادا حذرا. لأن التقليد ينفي التفكير، وينمي العقل الناقد. وإن كانت الصفات الأخلاقية ثابتة لا تقبل الجدل، فإن العقل البشري لا يستفيد شيئا من التقليد الأعمى ولا يمكنه أن يتقدم.
&nbsp;
<a href="https://siraj.net/ar/read?id=1044&amp;page=91">الإمام عبد السلام ياسين، مذكرات في التربية، ص: 90-93</a>

أدب وفن

حاجات الطفل النفسية

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

صور من محبة رسول الله ﷺ

خطاب الروح الصليبي وبطشه

الأنانية والجشع وصناعة الفساد

في الذكرى 77 للنكبة.. “إسرائيل الابتلاء” وشروط النصر

خير نساء طلعت عليهن الشمس

أفق النظام العالمي

مقالات ذات صلة