إن المسلم إما أن يكون في سبيل الله عز وجل، عبداً مطيعا له، مُحبا، متقربا بالفرض والنفل، مؤمنا بلقاء ربه، مستعدا لذلك اللقاء، مشتاقا إليه، مستغفرا لذنبه، منيبا، ذاكرا، متفكرا. فذاك سائر في سبيل السعادة.
وإما أن يكون عبدا لنفسه، خاضعا لسلطانها، مطيعا لهواه، مسترسلا في شهواته. فذاك الشقي.
ومن كان سائرا في سبيل الهوى، أنى له أن يَحْمل الأمانة العظمى، أمانة رسالة الله، مبلغا عن رسول الله، عليه صلاة الله وسلام الله!
من كانت نفسُه منطويَة على خُبثها ومرضها أنى يكون شِفاء لغثائية الأمة وأعرابيتها وهو حاملٌ الجرثومة بين جنبيه!
إن تحقيق العبودية لله عز وجل، والتحرر الكلي من سلطان الهوَى هو الشرط الأول الضروري لتأهيل الفرد المؤمن للانخراطِ عن كفاءة في صف جند الله. وإن جندَ الله لا يكون جندا لله إلا إن سلمت القلوبُ فصلَحَتْ لتكون وِعاء لرحمة الله عز وجل الجامعةِ المؤلفة. قال تعالى يخاطب عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بلسان المِنة والنعمة: ﴿ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ﴾.
وإن مستقَرَّ الإرادةِ القَلْبُ المؤمن الفردُ، يشتركُ مع جند الله المنظم في التعبير عن الإرادة الجهادية، وتخطيطها وتنفيذها. فإذا كان قلبُ المؤمن الفرد منضَمّاً على أعرابية، أو كان الإيمان فيه قد خَلُقَ واندثر، فلن يكون الحديث عن التآلف والعضوية إلا حديثَ زور، ولن تكون الإرادة إلا تعبيرا عن طموحات نفسية اجتمع عليها الناس مثلما نرى عند الأحزاب في الأمم التي لا خبرَ عندها بداء الأمم.
وإن القضاء على الأنانية التي تستعبد الفردَ لهوى نفسه أو لهوى غيره لَمَطْلبٌ أساسي. كما هو أساسي تحريره من الذهنية الرعَوية، ذهنية القطيع، ومن العادة التي تحشره في زمرة الإمعات التي لا إرادة لها.
وما يتحقق ذلك إلا بالعبودية المطلقة لله تعالى الخالق الرزاق المحيي المميت الباعث رب الجنة والنار. وأصل الدين وأُسُّه حب الله تعالى. قال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله: «محبة الله سبحانه، والأُنس به، والشوق إلى لقائه، والرضى به وعنه أصل الدين وأصل أعماله وإراداته. كما أن معرفته والعلـمَ بأسمائه وصفاته وأفعاله أجلُّ علوم الدين كلِّها. فمعرفته أجل المعارف، وإرادةُ وجهه أجلُّ المقاصد، وعبادتُه أشرف الأعمال، والثناء عليه بأسمائه وصفاته، ومدحُه وتمجيدُه أشرفُ الأقوال. وذلك أساسُ الحنيفية مِلةِ إبراهيم عليه السلام».
من كان لا يحب إلا نفسَه، ولا يمجد سواها، ولا يشتغل بغيرها، ولا يسعى إلا في مبتغاها فليس من المِلة الحنيفية حقا. والحنيفية إخلاص الوجه والوِجهة والعبودية لله عز وجل وحدَه لا شريك له.
العدل: الإسلاميون والحكم، ص: 59-60
أضف تعليقك (0 )