post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

على أثر الجيل الأمانة:
الجيل الأمانة، الجيل النموذج، كانت قلوبهم تسبح سبْحة في شؤون الدنيا تنسيهم ذكر الله واليوم الآخر، فيعدون ذلك نفاقاً يتطهرون منه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكلمة الهادية. وكان الغني منهم يبكي من دنياه خوفا على آخرته ومنزلته من ربه.
خطاب القرآن والسنة المكثفُ فيه ذكر الله واليوم الآخر يُجافيه ويباينه خطاب كثير من الأدبيات الإسلامية التي لا تزال مندهشة بحضور الدنيا ودهاقنتها، فهم يخشون الحديث عن الغيب. أم هي غفلة وانمساح وتسطح؟ أهو الكلام صفة المتكلم، غفلت القلوب عن الله والدار الآخرة، واشتغلت العقول بحركات الأدمغة العدوة تجادلها وتقاتلها من منطلق أن الإسلام نظام للحكم أفضل، وأن تاريخ الإسلام أمجد، وأن لنا أصالة وآباء وأجدادا كراما، وأن لنا حضارة عظيمة تبهر الدنيا؟ ولا يذكر الله واليوم الآخر!
كيف الارتقاء العقلي والقلبي إلى مرتبة علماء الآخرة؟ أمْ هل في ذلك الارتقاء مَطمع؟ أم هل إليه من سبيل؟
استولى اليأس على المسلمين زمانا حين قرأوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المخبر بأن خير القرون قرنه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.
استولى اليأس على من فهم أن ذهاب الصالحين منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باسترسالٍ هو إيذان بتدهور من أَسْفَلَ لأسفَل إلى يوم القيامة. قرأوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يذهب الصالحون الأوّلَ فالأوّلَ، ويبقى حُفالة كحُفالة الشعير أو التمر، لا يباليهم اللهُ بالة». رواه البخاري عن مِرداس الأسلمي. الحفالة : النُّخالة. يباليهم بالَة : أي مُبالاة.
ويقرأون مثل هذا الحديث العجيب الذي يصفُ وصْفاً معبرا عن عدم غناء القرآن بدون إيمان، حديث الترمذي بسند حسن عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فشَخَصَ ببصره إلى السماء، ثم قال : هذا أوَانُ يُخْتَلَسُ العلـمُ من الناس، حتى لا يقدرون منه على شيء. فقال زياد بن لبيد الأنصاري : كيفَ يُختلَسُ منا وقد قرأنا القرآن! فوالله لنقرأنَّه ولنُقرئنه أبناءنا ونساءنا!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثكِلتْك أمُّك زيادُ! إن كنت لأعُدُّك من فقهاء أهل المدينة! هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى، فماذا تُغني عنهم؟»
ويؤكد الصحابي عُبادةُ بن الصامت حديث أبي الدرداء فيقول: «صدق أبو الدرداء. إن شئتَ لأحدثنك بأول علم يُرفع. أول علم يُرفع من الناس الخشوع. يوشك أن تدخل المسجد الجامع فلا ترى فيه رجلا خاشعا».
استولى اليأس على الناس زمنا وهم يقرأون الأخبار عن خمول الإيمان واختلاس العلم ورفع الخشوع من المساجد .الآن مع الصحوة الإسلامية المباركة يستولي الحماس والاندفاع الشجاع إلى الجهاد. ونقرأ وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخلافة الثانية فيستخفنا الفرح والتصديق بالوعد. وتُعجبنا قرة العين ونزهة الفؤاد بهذه الأجيال المؤمنة من شباب الإسلام. ويستولي هَمُّ الواجب الجهادي الآتي على هم القرب من الله، وعلى تحرير النية لكيلا يكون جهادنا باطلا وعملنا مُحبطا، ويغيب ذكر الآخرة أو يكاد.
ذلك الذكر الدائم لله والدار الآخرة الذي نقرأه في القرآن والحديث إنما يصبح جزءا من كياننا النفسي القلبي التَّفكري بمجالسة الذاكرين. إن كانت الغفلة عن الله وذكر لقائه أزعجت الصحابة فاتهموا أنفسهم بالنفاق مع أن ما شغلهم ساعة كان مباحا، فإن الغفلة عن الله والدار الآخرة بالانشغال بالتلفزيون والمسلسلات وهوَس الدنيا، والاسترسال في ذلك لهو النفاق بعينه. هذه المغفلات عن الله والدار الآخرة بلاء منتشر، النساء مستهدَفات به والرجال. هذه المغفلات تغزونا وتجرنا وتذهب بنا إن لم يكن في شِغافِ قلوبنا وفكرة عقلنا وخطاب لساننا همّ لقاء الله، والطمع في درجات القرب منه، ومقاعد الصدق عنده.
كيف أتلو سورة الواقعة ولا أهتز شوقا إلى القرب من الله، ولا أجمع شمل إرادتي لأسابِق فأكون من السابقين، ولأتقرب بالفرض والنفل عسى أن أُرفع مع المقربين!
من أول سورة الواقعة شوقنا الله تعالى إلى مقامات القرب منه فقال : ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.1
وفي آخر السورة ذكرنا الله تعالى بمقامات القُرب حين وصَف لنا احتضار أحدنا وهو على عتبة الآخرة، لنستحضر ونحن أحياء تلك اللحظة، ويدخُلَنا الفزع فنسارع لكسب ما يقربنا إليه سبحانه. قال تعالى: ﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾.<a href="http://siraj.net/%D8%AA%D9%86%D9%88%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%AA-%D8%AC-1-6.297.q.%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%8A%D9%84+%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%A6+%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%8A%D9%84.html#page/297" target="_blank" rel="noopener">2 تنوير المؤمنات، ج 1، ص 297-300.</a>
سبحان ربي العظيم.
&nbsp;

التزكية والدعوة

على أثر الجيل الأمانة……………………………….

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

كيف نُعلِي شأن القيم الإنسانية المُرُوئية؟

قومة الإمام الحسين السبط

صراط الآخرة ومهيع السياسة

الصلاة على النبي ﷺ مفتاح الخير كله

الهجرة في حياة المؤمنة

مستقبل الإنسانية

مقالات ذات صلة