مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

أدب وفن

غلاو غلاو .. كالتبر صارو يسواو

0
غلاو غلاو .. كالتبر صارو يسواو

رضيعا، بينما فمه يتلقى لبان أمه رقية كانت أذنه تتلقى دندنتها الغامضة الغامرة. تقول له بلا حروف يا ولدي ستكون فارسا مثل أبيك بن سلام، تعلو صهوة الحصان وتتوسط نقع الشدائد المخيفة وتقتحمها. تمانعك عقباتها فتغالبها حتى يتم الاقتحام..
ما لبث أن ارتعش صوتُها. كأن المشهد ماثل أمامها. كأنه ترك ثديها فورا وفورا ابتلعه النقع. كأنه الآن هنا فارس يمضي، يتركها غير هياب لأمر عظيم يحاوله فهل من مسعف من حوله؟
تلقمه ثديها من جديد لتستعيده فتهدأ. كأنه وعدها ككل مرة أنه سيعود سالما.
مَن يهدئ من؟ مَن يواسي مَن ويسعفه؟ المرضع أم الرضيع. سيعود سالما. يمهلها. يطمئنها. لكن اليوم دَر وغدا أمر..
يتيما يدخل الكتاب يختفي بين أقرانه وألواح قرآنه، ولا يغادره طموح الفروسية والفرس. لكن.. ما بال شيخ الكُتَّاب وذلك الكِتاب، يقول له ولأترابه يوما .. هل تعلمون؟ أنتم تحفظون كلام الله، تكتنفون النبوة في صدوركم، لا تخافوا فقرا ولا يتما ولا عوادي الزمان، أنتم تتسنمون الناقة ولا خوف على راكب الناقة العالية من الكلاب، نباحهم في الأرض وهامته همته عند السحاب..
الفروسية أبواب ومطاياها بعضها أبلغ من بعض. بخ بخ. ناقة القرآن مأمورة، أين من راكبها راكب الفرس ولو كانت فوقه مظلة وتحته طقطقة الحرس. عاد لأمه يقول أمي، لقد عرفت فروسيتي. تتلقفه فراسة خاله، تدخله المعهد ليجمع إلى العلم المفرد جمع العلوم. وإلى غاية الغايات مبثوث الأفكار والألسن والفهوم..
وكما عزف على أوتار بضعة ألسن عزف على أوتار الكمان. لا تقف الهمة على شيء إلا أدركته وجادت به فور التحصيل. كل شيء ينقص بالإنفاق إلا العلم فبالإنفاق يزكو ويتبارك.. حتى تصل كل معرفة مداها وسقفها، وطموحه يتجاوز كل أفكار مبرمجة متوقفة عن النمو…
إما تنمو أو تذبل فتموت..
ينسد من كل العلوم أفقها. ويضع العقل عصا التسيار وقد نبت للقلب قوادم أجنحته وبعد منطق الناس آن أوان رحلة منطق الطير..
– خذني أيها العارف بالله إلى زاويتك بعيدا عن الفراش الوثير والمنصب الأثير. اسقني ترياق صحبتك المجرب. علمني علم الذوق، وعلم الشوق، وعلم اختراق حجب النفس وعلم الاحتراق في حب الله فإني مني يائس آيس..
– نعم يا ولدي لكن لا بد منك.. لا بد منك.. قد تحسبها من فيض سعادة اللقاء محطتك الأخيرة. لكنك الآن فقط بدأت.. بعد اللقاء البناء.. لا تنس ميثاق الفروسية وقدره بعد ترجلي ورحيلي، ولا تنس أن العنقاء المُغرب قد يصطادها البلبل الصغير..
– قل لي ما أفعل سيدي.. ما أفعل بعدك؟
– بعد تمام القرب يا ولدي استفت القلب..
يشب عمرو عن الطوق، عن كل طوق جربه. يقول له الفارس الكامن في كيانه، هل يكفي الذوق؟ هل يكفي العرفان وحده؟ هل يكفي الإحسان؟ أين فروسية الميدان بعد فروسية القلب والجَنان؟ هل تؤمن بشطر الآية وتترك شطرها الآخر. بلى. ما ثمة إلا الإحسان. ما ثمة إلا الإحسان. لكن العدل من أوثق عرى الإحسان.
يتتبع النحل في شهد سورته. “إن الله يأمر بالعدل والإحسان” بالأمس لبن واليوم عسل. فاصبر لبعض اللسع وقل لأمك لا تجزعي سأعود سالما، وقل لأمة رسول الله لا تجزعي فقد دنا بر الأمان وانفتح الرتاج وحيهلا على روض المنهاج!

أضف تعليقك (0 )



















0
يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد