post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

أهل الجنة اللينون الذين يحبهم الله. اللينون لا عن مهانة وذلة نعوذ بالله، فإن الله عز وجل أخبرنا بأنه ضرب الذلة والمسكنة على بني إسرائيل، ورسوله ﷺ كان يستعيذ بالله من الذلة والقلة. لكن الموطأون أكنافا الذين قال الله تعالى عنهم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾. (المائدة: 54) لاحظ قوله تعالى: «أذلة على المؤمنين». على حرف استعلاء، فالمؤمن حين يلين لإخوانه ويتواضع لهم يعطي من ذات نفسه عن طوع لا عن إكراه ولا عن خوف. وإن الجمع في شخصية المؤمن بين طرفي الذلة على المؤمنين والعزة على الكافرين لمن أهم بواطن التربية وأدقها. لأن المؤمن الضعيف يميل به ضَعفه إلى طبع الاستكانة والسكون بينما يصول المستكبر ويَجول. رحم الله عمر بن الخطاب حين خفق بالدرة رجلا رآه منكوس الرأس مُتماوِتا، قال له: «أماتك الله! أَمَتَّ علينا ديننا!». أهل الجنة «كل ضعيف متضعِّف لو أقسم على الله لأبرّه» كما جاء في الحديث النبوي الذي أخرجاه في الصحيحين عن حارثة بن وهب رضي الله عنه. المُحَبُّون عند الله هم المتواضعون لله، يرفعهم الله كما قال رسول الله ﷺ: «من تواضع لله رفعه الله». أخرجه الحافظ أبو نعيم رحمه الله في الحلية بإسناد حسن. ولا يدخل الجنة «الجوَّاظ ولا الجَعْظَرِيُّ» كما روى أبو داود رحمه الله عن نفس حارثة مرفوعا بإسناد صحيح. وانظر حكمة استعمال رسول الله ﷺ لهذين اللفظين المنفرين العاتيين: الجواظ هو المَنوعُ للخير السمين المختال، والجعظري الفظ الغليظ. كان رسول الله ﷺ لينا على المؤمنين، لينا لهم برحمة من الله الرحمن الرحيم. لم يكن فظا غليظ القلب. وقد من الله عليه بهذا الخلق العظيم في قوله: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾1. كان رسول الله ﷺ مهيبا، وكانت هيبته تنخلع لها قلوب الجاحدين وتتطامنُ لها قلوب المؤمنين. ذات مرة غلبت رجلا هذه الهيبة التي خلعها رب العزة والكبرياء سبحانه على عبده حُلَّة ربانية، فتلعثم الرجل، فقال الرؤوف الرحيم صلى الله عليه سلم: «إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد». رواه الحاكم من حديث جرير رضي الله عنه وصححه. وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: سمعت عمر بن الخطاب يقول على المنبر: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لا تُطروني كما أطْرَتْ النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله». أخرجه البخاري. وكان رسول الله ﷺ ينهى أصحابه عن إطْراء بعضِهم بعضا في وجهه ويقول: «ويحك قطعت عنق صاحبك!» ذكره مسلم رحمه الله وغيره. لأن الإطراء إذا ألِفَته النفس ومالت إليه تعاظم عندها شأن ذاتها. والمقصود من الشرع تزكيتها عن الغرور لا التغرير بها.



<a href="https://siraj.net/ar/books/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%AC-1/pages/410" data-type="link" data-id="https://siraj.net/ar/books/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%AC-1/pages/410">تابع القراءة في: الإحسان، ج 1، ص: 411-412.</a>

التزكية والدعوة

لينه وتواضعه صلى الله عليه وسلم

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

كرامة المرأة العاملة

سباق لطلب الزلفى

من شعب الإيمان الصوم

المؤمنة مشرفة مكلفة

رمضان وافى

من يحصي أنعما أوليتها؟

مقالات ذات صلة