post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

مصير الأخلاق في عالم الإعلام والتواصل
الذكاء الصانع، ذكاء العقل المعاشي المنفتح على نواميس الكون المتتلمِذ لها عن وعي كامل واطلاع وتجربة، وفي جهل مطبَق غبي بأن النواميس في الإنسان والكون البديعة النظام الدقيقته لا تقبل الفطرة السليمة أن تكون من صنع طبيعة صماء تَجرها الصدف. بلغ ذكاء العقل المعاشي أقصى مداه التكنولوجي إلى حد الآن في الصناعة التواصلية، والتكنولوجية المعلوماتية الإعلامية، وما سماه «آل كور» بالطريق السيار للمعلومات.
ذكاء صانع دبر وفكر وأتقن حاملات من شرائح مندمجة، وكمبيوترات متطورة أجيالا بعد أجيال، متَسارعة متطاردة، وشُعيرات بصرية زجاجية يجيز الخط الهاتفي الواحد منها من الرسائل السمعية البصرية آلاف ما كان الخط المعدني العتيق يُجيز. وشبكاتٍ تواصلية موصولة عبر الأقمار الصناعية، مفتوحة مطلعة على المبذول من ذخائر الخزانات الجامعية والمتاحف العالمية. «أنترنت»، شبكة الشبكات الحرة، ماذا تصبح غدا بعد أن يتولاها جبابرة الرأسمالية الإعلامية ويغذّوها بآلاف الأفلام الهوليودية؟
حاملات تواصلية ومحمولات على آلاف الشبكات التلفزيونية المباحة لمن معه ثمن المقَعّر. فما شاء للعقل المعاشي المخترعِ مزاج البشر الدوابي المستهلك للمشاهد العاهرة، حتى إن بلاد «حرية التعبير» وحُماة حرية التعبير في أمريكا يضجون احتجاجا على العهارة السائلة عبر الأثير، تضعها التكنولوجية الذكية في متناول طفل وطفلة يستطيعان تهَجِّيَ الحروف وقراءة الأرقام ولَمس الأزرار. في متناول الجميع يضع الذكاء المنفتح المتسامح إلخ القدرة على تبادل المعلومات القذرة من صور وكلمات بين طفل وطفل، وشاذ وشاذ، وحيوان وحيوان. نعم!
اقرأ، أخي العزيز، وعهدي بك قارئا في المصحف، كلمات الله عز وجل عن قوم نسوا الله ونسوا ما ذكروا به ففتح الله عليهم البلاء. اقرأ ابتداء من الآية 42 من سورة الأنعام كيف يفتح الله على من نسي الله أبواب كل شيء، حتى إذا فرح بما حصله بذكائه المخذول أبْلَسَ وقُطع دابِرُه.
الإبلاس الحزنُ على عِظَم المصاب وفداحة الكارثة. الإبلاس الصمت اليائس.
كيف ذاك ومع العقلاء المعاشيين المخترعين زينة الدنيا ومتاعها وثروتها وقوتها وسلطانها؟
من لا ينظر أبعد من أنْفه لا يزن آيات الله في الكون موازية لآياته تعالى في القرآن، تفسر هذه تلك وتفهم معناها لقوم يعقلون، وقوم يتفكرون، وقوم يتدبرون.
العقل المؤمن بالله، المتدبر المتفكر العاقل عقل القلب والرأس معا، لا تغره زهرة الدنيا في يد المستكبرين في الأرض. ذلك لأنه يضع أمام باصرته وبصيرته حركية الاختراعات في مساقِ سنة الله في التاريخ. فيبصر تردِّي الإنسان المترف المتواصل عبر الأقمار الصناعية الحاملة &#8211; وهي الأعجوبة العقلية &#8211; التفاهة والخسة والرداءة.
ويبصر بؤس الإنسانية الفقيرة المتخلفة المريضة المقهورة بما أساءت في الأرض واستكبرت وطغت وأفسدت الإنسانية المتقدمة الذكية المنفتحة إلخ&#8230;
حاملات تكنولوجية عبقرية أعجوبة. ومحمولات دوابية تافهة مرذولة. ذلك أن الرأس المعاشي المخترع المبتكر لا وازع له من قلب هو وعاء الأخلاق والمروءات والإيمان. رأس جبار على كيان تافه. سفينة بلا وجهة ولا احتكام إلا اللذة والمتعة والأنانية الظالمة. ذلك هو إنسان التكنولوجية، يقوده ما صنعت يداه، وافْتكر رأسه إلى مستقبل يستفحل فيه فتح الله عز وجل على الناسين ما ذُكّروا به أبواب كل شيء. ثم إبلاس وقطع دابرٍ.
في قرار فطريٍّ لا يزال ينتبِض عند بعض العقلاء من ذلك البَر صُبابة من حكمة لم تفتأ تتنبأ بسقوط الإمبراطوريات، عبرة بتاريخ الرومان والمسلمين والإنجليز بالأمس القريب والإمريكان وطريقتهم الأمريكية في الحياة غدا. لا تستثني سنة الله أحدا من ناموسها في التاريخ. الترف والتردي الخلقي مدخلان وخيما العواقب على النظام السياسي وعلى الوجود الحضاري.
رأينا مصير الأخلاق المتوقع من جراء الثورة التواصلية، ونرى أيّ ترفٍ تتيحه الصناعة الإعلامية بشطريها الحامل والمحمول.
تزاوجت التكنولوجية الرقمية مع الصناعة الفنية الهوليودية فولدتا أفلام الرعب وأفلام الخيال العلمي، وأبرزتا آخر مظهر للمولود : عالم الخيال الممكن، عالم يشارك فيه المستهلك، ويختار، ويصنع الصور، ويهرُب من عالم الواقع إلى عالم آخر. ذلك أن من كفروا بالله واختاروا الأطروحة الدروينية، والثورة النتشية على الله، والمادية الماركسية التاريخانية ما زالوا منذ قرون يصنعون جنة وهمية يفرون إليها، يسمونها فنا، ويتغالَوْن في الفن، ويعبدون الفن والفنانين، حتى ولو كان الفن خربشة ملونة وصفيرا ناشزا.
عالم «الفرتويل»، عالم الخيال الممكن أو لست أدري كيف يترجمون الكلمة، هو آخر صيحة، وآخر صرعة، وأفُق الرأسمالية، وأمل الإنسان العائش برأس لا قلب له، وملاذه وجنته.
عبد السلام ياسين، حوار مع صديق أمازيغي، ص 51-53.

التزكية والدعوة

مصير الأخلاق في عالم الإعلام والتواصل

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

سباق لطلب الزلفى

من شعب الإيمان الصوم

المؤمنة مشرفة مكلفة

رمضان وافى

من يحصي أنعما أوليتها؟

التوبة واليقظة

مقالات ذات صلة