من يقلد لا ينتقد
لو كان ذلك الانكسار في فجر تاريخنا خبرا مضى وقبر لما كانت بنا حاجة لنبشه. اضطرمت نار الفتـنة وبقيت مشتعلة قرونا طويلة، لا تخبو إلا بمقدار ما تستعيد قابليتها للاشتعال.
واليوم ينهض المسلمون في فجر تاريخ جديد، وفي كيانهم، ثقافة وذكرى ومذهبا، آثار ذلكم الضرام. فهل يُنسينا بأسُ الجاهلية علينا اليومَ ما كان بينـنا من بأس؟ وهل تعود الأمة فتلتحم على وَهَجِ الجهاد الحاضر والمستقبل كما تصدعت في نار الفتـنة؟ نرجو من الله عز وجل ذلك.
من الآثار السيئة للفتـنة تمادي بعض المسلمين في التغني بأمجاد الإسلام دون أن يُرجعوا الفضل بعد الله عز وجل للأمة التي حملت إلى جانب أعباء الجهاد آلام أنظمة العض والجبر وويلاتها. لا يزال بعضهم ينسب خيرا ساقه الله للأمة على يد علمائها وفرسانها وصلحائها لزيد أو عمرو من الملوك. ويدافع عن جبابرة سفكوا الدماء، وهتكوا الحُرَمَ، وخربوا الذمم، وعتوا في الأرض فسادا، لمجرد إبقاء واجهةٍ مموهة صنعها المتملقون، وربما شارك في نصبها تحت الضغط بعض فضلاء الأمة.
يدخل هذا الفهم البطولي للتاريخ في دائرة التقليد. ومن يُقلد لا يستطيع أن ينـتقد، وبالتالي يـبقى في جهالة عمياء، لا يستبـين الرشدَ لغده من عِبَرِ أمسه.
الخلافة والملك، ص: 57
أضف تعليقك (0 )