post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

نحن وهم.. هل من خلاص؟
من حضيض تخلفنا الاقتصادي الدنيوي نستمع إلى رجل احتل مع قومه بحبوحة التنمية، فتَبَصَّرَ في عيوبها ما لا يتبصـره المتطلع من السفح. درسٌ ثمين يقدمه لنا رجاء جارودي الفيلسوف الذي يرجو من <a href="https://wordpress-1153707-4083331.cloudwaysapps.com/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%af%d9%8a%d9%86-%d8%aa%d8%a2%d8%ae%d9%8d-%d9%88%d8%aa%d9%86%d8%a7%d8%b5%d9%8f%d8%b1%d9%8d/">الإسلام</a> أن يخترع مستقبلا ذا وجه إنساني، ويخشى على حضارة قومه الموتَ لأنها تيه بلا غاية. فهو في الحقيقة حين يتحدث عن أفق إسلامي «يعطي لحياتنا معنى ويصرفنا عن الموت» لا يقصد موت الأشخاص، إنما يقصد موت الحضارة الشقية، في نظره ونظر العقلاء، بتنميتها التائهة. درس ثمين لنا نحن المقبلين على خوض معارك التنمية لكيلا يجرفنا التيار الدنيوي فنصبح من الخاسرين. قال رجاء: «إن الاقتصاد المنبثق عن مبادئ الإسلام على النقيض من النموذج الغربي للتنمية. هذا النموذج الذي يمثل فيه الإنتاج والاستهلاك الغاية في حد ذاتها: الاستهلاك أكثرَ فأكثرَ، الاستهلاك بسرعة متزايدة، استهلاك أي شيء، من مفيد وغير مفيد، ومن ضار وقاتل. استهلاك دون اعتبار الغايات الإنسانية. قال: «الاقتصاد الإسلامي في مبدئه القرآني لا يهدف إلى التنمية بل إلى التوازن. قال: «فهو لا يمكن أن يشبه بالرأسمالية [على النمط الأمريكي مثلا]، ولا بالمجموعية collectivisme [من النوع السوفياتي مثلا]. ميزة الاقتصاد الإسلامي الأساسية أنه لا يطيع آليات عمياءَ لاقتصاد يحمل في نفسه غاية نفسه. ميزة الاقتصاد الإسلامي أن يكون منتظما بغايات أعلى، إنسانية إلهية بلا انفصام. لأن الإنسان ليس إنسانا حقا إلا بخضوعه للألوهية». انتهى كلام رجاء. من الله عز وجل الأمر الشرعي التكليفي بالعدل والإحسان والأخوة بين المسلمين، والرحمة للعالمين خاصة المستضعفين. أمر قرآني بلغهُ الرسل عليهم السلام. وأمر آخرُ منه سبحانه أمراً كونيا هو وجود عالَمٍ يضِجُّ بالحركة للرأسمالية فيه وللسوق القِدْحُ الـمُعَلَّى. قدَر من قدَره علينا أن نخوض غماره، وننافس، ونزاحم بالمناكب، ونقاوم آلياته العمياءَ في اعتبار الشرع، الحكيمةَ البصيرة عند من يعلم أن ما أنزلَ علينا من ربنا حق، شرعا تكليفيا كان أو قدَراً ابتلائيا. من حضيض تخلفنا نتطلع إلى ما عند سكان بحبوحة الدنيا، يشقَوْنَ كما يشهد عقلاؤهم بالوفرة التي لا غاية لها، ونشقَى نحن في الدنيا، معنا غايات لا وسائل لها، لهم هياكل إنتاجية وليست لنا، لهم أنظمة متطورة تشارك بفعالية في إقامة المشروع الصناعي العالمي وتسييره والاستفادة منه. لهم تحكم في العلوم والصنائع يُسَخِّرون الكون، سماءَه وأرضَه. لهم تِقَانِيَّةٌ سريعة التطور. لهم أبناك مزدهرة بزهرة الربا. لهم بُرصات تلعب بثروات الأرض. لهم أجهزة الربوط خادمةً مطيعة. لهم حاسبات إلكترونية تغطي بشبكتها وجه الأرض. هم في دوامة الشغل وضجيج الحضارة وإيقاع العمل وزحمة الوقت. أما نحن ففي دوامة أخرى تتكون من سُلوب ما لهم وعُكوسها: الفقد والفقر والعجز والبطالة والتبعية. حتى لنكاد نكون رهطا من الربوطات الخادمة المطيعة، أو عجلات مسخرة في دولاب المشروع الاقتصادي العالمي الذي يديرونه. هَمُّ التنمية يسيطر على العالم، عالمٍ تطغى فيه الشهوات العارمة بهم، وتطغى بالمستضعفين منا الحاجة والجوع والكبت والمغلوبية. هم يرتعون في بحبوحة الاستهلاك، دع عقلاءَهم وعقـلاءَنا ينتقدون الحضارة الاستهلاكية ما شاءوا وشئنا. فذلك لا يغير من واقع حرمان المستضعفين في الأرض شيئا. المستضعفون في دوامة الإعانات الغذائية التي تحبسها الدُّوَل المتخمة أو تقف دعمَها الدول المحلية فتقوم مظاهرات الجوع في مصـر والسودان وتونس والمغرب والجزائر. المستضعفون في دوامة العجز المالي، في هزاتٍ دورية تعصف بالاستقرار وتبدد الجهود. المستضعفون في قبضة المديونية المتراكمة، في ذمة الدولار يرتفع وينخفض، في حوزة أسعار الفائدة الربوية تقرَّرُ في لندن وواشنطن فيغَصُّ بها مستضعفو الأرض. المستضعفون يطمحون للتنمية واللحاق بركب الصاعدين على متْن قمة التاريخ: الرأسمالية. إن كان العقلاء والفلاسفة يدركون أن أولئك الصاعدين مشرفون على هاوية، ينتظرون من الإسلام اختراع ثورة ومستقبل لإنقاذ حضارة غاربة، فإن المستضعفين في الهم الدائم المقيم من شروط إعادة جدولة الديون، وشروط التقويم الهيكلي، وشروط التكييف مع السوق العالمية. إنها معركة متعددة الواجهات، من طبيعة الداخل فيها أن ينشغل بمصارعة الوسائل عن نداء الغايات. فإن كانت الدولة سيدة الدعوة واستمرت تبعية الشرع للطبع كما هو الحال تحت الحكم الفتنوي فلن يؤسس أحد، ولو تسمى إسلاميا، إلا اضطهاداً جديدا. والله غالب على أمره. ولكن أكثر الناس لا يعقلون.
<a href="https://siraj.net/ar/read?id=1064&amp;page=223">عبد السلام ياسين، العدل، الإسلاميون والحكم، ص 223-225.</a>

السياسة والحكم

نحن وهم.. هل من خلاص؟

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

الحج مطهرة وهداية

فضل العشر الأوائل من ذي الحجة

من شعب الإيمان..الحج والعمرة

صور من محبة رسول الله ﷺ

خطاب الروح الصليبي وبطشه

الأنانية والجشع وصناعة الفساد

مقالات ذات صلة