مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

التزكية والدعوة

البـذل وآثاره التربوية والاجتماعية.

0
البـذل وآثاره التربوية والاجتماعية.

البـذل وآثاره التربوية والاجتماعية.

مقدمة

    من خصال المؤمنين الصادقين؛ شكر الله على نعمه، ومن علامات هذا الشكر الإنفاق مما وهبهم الله تعالى من مال ووقت وصحة وجهد ومن كل النعم. والإنفاق في سبيل الله عموما يدفع الله عز وجل به البلاء؛ إذ كان بعضُ العلماء يوصي إخوانه إذا أصابتهم الشدائد والملمات، أن يكثروا من الصدقات حتى يرحمهم الله تعالى.

   وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم أن الصدقة دليل وبرهان على إيمان صاحبها وعلى صدق بره وعبادته، فقال عليه السلام: “… والصدقة برهان”[1].

أولا: مفهوم البذل وفضائله:

1- مفهوم البذل:

  البذل مصدر فعل بَـذَلَ، يَبذُل، بَذْلاً، فهو باذِل، والمفعول مَبْذول. فبذَل المالَ: أعطاه وجادَ به عن طِيب نفْس. وبذَل ما في وُسْعَه: أفرغ أقصى طاقته، فعَمِل المُسْتطاع.

وبَذَلَ نَفْسَهُ فِداءً: جادَ بِنَفْسِهِ عَنْ طيبِ خاطِر. وبَذْلُ النَّفْسِ: التَّضْحِيَةُ، العَطاءُ، التَّفانِي والإِخْلاصُ.ويقال بذَل الغاليَ والنَّفيسَ، أي؛ بذَل النَّفسَ والنَّفيسَ: ضحّى بنفسه وماله. وبذَل التَّضحيات، أي؛ قدَّمها[2]. ويفضل الأستاذ عبد السلام ياسين كلمة “البذل” على كلمة “التضحية”؛ لأن البذل يدل على احتقار الشيء واستصغاره.يقول رحمه الله: (معناها لغة إعطاء الشيء والجود به استهانة به في مقابل الفضل المرجو. يقال ابتذل الشيء احتقر)[3]. ولأن كلمة التضحية فيها إحساس بالتباهي والمفاخرة.

      والبذل له أشكال وأنواع؛ منها بذل المال وإنفاقه والإيثار به وبذل النفس وبذل الوقت وبذل العلم وبذل الجهد، ويناقض كل معاني الشح والبخل والقعود والتواكل والمنّ والأذى بعد إنفاق كل واحد من الأنواع.

2- فضائله:

     من أعظم فوائد وفضائل البذل والإنفاق بسخاء؛ نيلُ رضا الله تعالى ومحبته، يقول الإمام عبد السلام ياسين، موجها ومرشدا إلى معالي الأمور وإلى الخصال الحميدة: “لا يحب الله المتكبر المستعلي على المسلمين، الشحيح بماله، إنما يحب من ينفق ليسد الخلة، ويلبي الحاجة، ويأسو الجرح، ويكفل اليتيم، ويرحم المسكين، ويحمل الكل، ويعين على نوائب الحق”[4]. والله تعالى يدفع عن عباده البلاء عند الإنفاق في سبيل الله؛ فكم من كريم وكم من يد أعطت لوجه الله عز وجل، عافاهم الله، ودفع عنهم البلاء.

والإنفاق فيه أيضا تيسير على عباد الله المؤمنين، وتنفيس لكرباتهم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة)[5].

ثانيا: الآثار التربوية والاجتماعية للبذل.

* في الإنفاق تزكية لقلب المنفق، وطهرة له من الشح والبخل، وتنمية للمال وسلامة له من الآفات، قال تعالى: “خذ من أموالهم صدقة تظهرهم وتزكيهم بها” (التوبة : 103).

* الصدقة تطفئ الخطيئة، كما جاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ” والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار”[6].

* الإنفاق الخالص يقي المؤمن من النار، فعن عدي بن حاتم رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “اتقوا النار ولو بشق تمرة”[7].

* بثّ روح الإيثار والتكافل: فقد مدح الله عز وجل الأنصار لأنهم كانوا يتصفون بالإيثار، ثم يسود الإيثار والتكافل بين أفراد المجتمع، كما يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: “نقرأ في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه البررة، في حياته وبعد وفاته، أمثلة ناصعة للإيثار وقسمة المال. كانت أموال المسلمين تقسم عليهم من بيت مالهم بالأمانة العادلة. ثم يشيع المال الخاص من الأيدي الرحيمة التي لا تمسك ولا تعرف إمساكا على البائس الفقير”[8].

* الخُـلفوالبركة في الرزق قال الله تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (سبأ: 39).

ثالثا: آداب الإنفاق، وأسباب القبول:

لكي يؤدي الإنفاق تلك المقاصد الجليلة لابد أن يستحضر المنفق في بذله عدة آداب منها:

– الإخلاص لله تعالى: وهو يعني تجريد العبودية لله تعالى لا يشوبها شائبة رياء أو سمعة أو غيرهما، فإذا أنفق على نفسه وأسرته ينفق شاكراً لله تعالى على ما أعطاه من هذه المال، وإذا أنفق على الفقراء والمساكين، وأعمال البر يريد الأجر والثواب من هذا الإنفاق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى”[9].

– تجنب الرياء: من أنفق رياء أو سمعة أخذ حظه من ثناء الناس في الدنيا، وليس له حظ في الآخرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن أول الناس يقضي عليه يوم القيامة ثلاثة .. “، ومنهم: “رجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال جواد، فقد قيل، فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار”[10].

* تجنب المن والأذى[11]: فإنهما لا يتوافقان مع ما فطر الله النفس عليه من الكرامة والعزة، والمن يخدش كرامة النفوس الكريمة ويجرح مشاعرها، ويستذلها بمنته، والمن والأذى يبطل العمل والصدقة، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ما له رياء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر).(البقرة : 264).

* الاعتدال في الإنفاق: لأن المال أمانة عند صاحبه، رزقه اللهللإنسان ليتعامل به وفق منهجه تعالى، فلا يتجاوز القصد والاعتدال، ولا يقتر فيشح ويبخل ويمسك، قال تعالى: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) (الفرقان : 67).

* الإنفاق من المال الطيب: إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، فقد أمر سبحانه بالإنفاق من الطيب ومما تحبه النفس، يقول تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقوا ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه وأعلموا أن الله غني حميد). (البقرة : 267).

خاتمة:

     المال مال الله، ونعم الله لا تُعد ولا تُحصى، لذلك فإن المؤمن المتطلع لدرجات الإحسان يبذُل هذه النعم بسخاء، وفي المقابل يتجنب المن والأذى في البذل والعطاء، بل ويستقبحهما، ثم يستحضر أن البر والأجر إنما يناله بالإنفاق من المال الطيب ومما يحب، قال الله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون). (آل عمران : 92).

     ولخسة نفس المنان، ولؤم طبعه ورغبته في الاستعلاء الكاذب، وتطلعه إلى إذلال الناس، جعله النبي صلى الله عليه وسلم من الثلاثة الذين غضب الله عليهم، فعن أبي ذر رضي الله عنه،أنالنبي الله صلى الله عليه وسلم قال: “ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم،(ثلاث مرات) قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: (المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب”[12].

    ويبقى الإنفاق شرطا لكمال الإيمان، تأسيا بالسلف الصالح لهذه الأمة؛ “فلا غرو أن نجد في أصل تاريخنا إنفاقا عظيما، ولا غرو أن يكون الإنفاق شرطا أساسيا في كمال الإيمان بل في وجود الإيمان”[13].

والحمد لله رب العالمين.

[1]- من حديث رواه الإمام مسلم في صحيحه. كتاب: الطهارة. باب: فضل الوضوء. حديث رقم: 360.
[2]- يُـنظر: ابن منظور، لسان العرب. مادة: ب ذ ل. دار صادر، بيروت، الطبعة الثالثة: 1414هـ-1994م. ج:11/ص: 50-51. والفيروسآبادي، القاموس المحيط. مادة: ب ذ ل. دار الفكر، طبعة: 1416هـ -2005م. الصفحة: 868.
[3]- ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي، تربية وتنظيما وزحفا. طبعة ثانية: 1410هـ – 1979م. الصفحة: 193.
[4]- ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي، تربية وتنظيما وزحفا. (مرجع سابق). الصفحة: 208.
[5]- رواه الإمام مسلم. كتاب الذِّكْر وَالدُّعَاء وَالتَّوْبَة وَالاسْتِغْفَار. باب: فَضْل الِاجْتِمَاع على تِلَاوَة الْقُرْآن وعلى الذِّكْر. برقم:4996.
[6]- رواه الإمام الترمذي. كتاب: الإيمان. باب: ما جاء في حرمة الصلاة. حديث رقم: 2616.
[7]- رواه الإمام البخاري، كتاب الزكاة، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة. برقم 1417.
[8]- ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي، تربية وتنظيما وزحفا. (مرجع سابق). الصفحة: 210.
[9]- رواه الإمام البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي. برقم: 1. والإمام مسلم، كتاب الإمارة، باب: قوله صلى الله عليه وسلم “إنما الأعمال بالنية”. برقم: 1907.
[10]- رواه الإمام مسلم، كتب الإمارة، باب: من قاتل للرياء والسمعة استحق النار، رقم 1905.
[11]- المن هو: التحدث بما أعطي حتى يبلغ ذلك المعطي فيؤذيه. والأذى هو: السب والتطاول والتشكي.
[12]- رواه الإمام مسلم، كتاب: الإيمان، باب: بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية، برقم: 106.
[13]- ياسين، عبد السلام، الإسلام غدا. مطبعة النجاح- الدار البيضاء. الصفحة: 241.

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد