جاءنا رمضان المطهر، شهر الخير والعطاء والإقبال على الكريم الوهاب، موسم الخير والمكرمات الربانية، لنا في كل وقت من أوقات ليله ونهاره مغنم، ليله ليل القائمين والمتهجدين التائبين المنكسرين بين يدي رب غفور رحيم، ونهاره ميدان ذكر الصائمين الواقفين عند حدود مولاهم عز وجل.
اَلْعَشْرُ تُؤْذِنُ بِالرَّحِيلِ فَأَقْبِلِ … وَاظْفَرْ بِرَحْمَةِ رَبِّكَ الْمُتَفَضِّلِ…
وِسَامُ الْعِتْقِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرْ … يُوَشِّحُ شَهْرَ مَنْ قَامَ الدَّيَاجِرْ…
لَـيْـلَـةَ الْـقَـدْرِ أَطِـلِّـي … بِـالـتَّـبَـاشِـيـرِ أَهِـلِّـي…
رابع أركان الإسلام، والضابط المتمم لضوابط الشهادتين والصلاة والزكاة. فتوحيد الله عز وجل، والإقرار له بالعبودية، خروج عن سلطان الهوى المتأله، الصلاة تحقيق لهذه العبودية بالخضوع لكيفياتها وأوقاتها، والزكاة تحرر من غريزة التملك، والصيام امتلاك للشهوة. فمن كملت له السيطرة على نفسه بحبسها في إطار الإسلام، وصبرها على تكاليف الإيمان، فقد تأهل للجهاد. والحج خامس أركان الإسلام وهو أحد وجوه الجهاد.
رمضانُ وافى، أعْلَنُوهُ على المنائِرْ …شهرُ الهداية والتلاوة والبشائِر
شهرٌ به القرآن أُنْزِلَ مُشْرِقاً…مِنْ نورِهِ اصطَبَحَتْ قلوبٌ والبصائرْ
رمضانُ عاد وقدسنا في قبضة …عصرتْ بقسوتِها الأسِيراتِ الحرائرْ
رمضانُ بدْرٍ كان عزَّ صحابة …باعوا نفوساً للإله على المخاطِرْ
لـمّا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بَدْراً في مواجهة قريش ووقف جيش الإسلام أهمَّ وقفة وأبلغها أثرا في تاريخه، والنبي صلى الله عليه وسلم قائد، والخطر مُحْدقٌ، والتجربة جديدة، لم يكن الصحابة رضي الله عنهم كَمّاً صامتا وعَدداً حسابيا. إنما كانوا رجالا لهم رأيهم واجتهادهم وشخصيتهم، ولولا ذلك لما كانوا هم هم، ولما كانت بدر هي بدر. قام الحُبابُ بن المنذر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله! أرأيْتَ هذا المنزلَ؟ أمنزلٌ أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه. أم هو الرأي والحرب والـمَكيدة؟
في السنة الإسلامية فَصٌّ يزين الزمن كما تزين الحُليَّ الجواهرُ النفيسة. إنه شهر رمضان عيد السنة كما هي الجمعة عيد الأسبوع. ولعمر المسلمة فصٌّ هو عام حجها. شهر رمضان شهر البركات والخيرات والتوبة وتجديد الصلح مع الله وطلب غفرانه وإحسانه وعِتْق رِقابنا من النار. شهر يفطِم الجسمَ عن طبعه من شهوة الطعام، وحاجة الشراب، ولذة الجسد، لتعرف المسلمة الجوع والعطش ولتتعلم ضبط نفسها وإلجامَ هواها.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط في قُبَّة تركية على سُدَّتها حصير، قال: فأخذ الحصير بيده، فنحاها في ناحية القبَّة، ثم أطلع رأسه فكلَّم الناس، فدنوا منه فقال: ((إني اعتكفتُ العشرَ الأول ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفتُ العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحبَّ منكم أن يعتكف فليعتكف))، فاعتكف الناس معه، قال: ((وإني أُريتها ليلةَ وتر، وإني أسجد صبيحتها في طين وماء))،
ولقد كانت عاتكة بنت عبد المطلب رأت رؤيا أفزعتها، وعظمت في صدرها…