لا مناص لنا من أن ننهَج في العالم من حولنا مع الاحتفاظ بمعنانا وقيمنا وديننا. الحفاظ على ديننا رأس الأمر كله. العالم من حولنا هو مجالنا الحيوي، هو بحر الابتلاء الإلهي للعباد: فيه القوى المناهضة والمنافسة والمعارضة والمعادية والكائدة. توجيه كتاب ربنا وسنة نبينا للمُبحرين في لُجَج الخِضَمّ العالمي أن نعطي كل ذي حق حقه […]
قال مالك: «ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم يذكر النبي ﷺ فيُنظَر إلى لونه كأنه نَزَفَ منه الدم، وقد جفَّ لسانه في فمه هيبة لرسول الله ﷺ. ولقد كنت آتي عامر بن عبد الله بن الزبير، فإذا ذُكر عنده النبي ﷺ بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع. ولقد رأيت الزُّهري، وكان لَمِنْ أهْنَإ الناس وأقربِهم، فإذا ذكر عنده النبي ﷺ فكأنه ما عرفَك ولا عرفته. ولقد كنت آتي صفوان بن سُلَيم، وكان من المتعبدين المجتهدين، فإذا ذكر النبي ﷺ بكى، فلا يزال يبكي حتى يقوم الناس عنه ويتركوه».
أما أعمال المؤمنين، فإن كانت شبيهة في إعطاء النتائج السببية في الدنيا مع أعمال الكفار، فإن لها بقاء أبديا على صورة ثواب وجزاء ونعيم. أعمال المؤمنين سعي مَرْضِيٌّ في الدنيا إن حسَّنَه الإتقان، مرضِيٌّ في الآخرة إن زكّاه الإيمان وزكتهُ النية.
مما يُقصد بــ”المجموع” في كتابات الأستاذ عبد السلام ياسين تحصيل فضائل العلم والعمل من جميع شعب الإيمان، على خطى الصحابة الذين تشربوا من صحبة رسول الله ﷺ والذين معه رضي الله عنهم شُعب الإيمان وخصاله في مجموعها؛ إيمانا وعملا صالحا، تربية وجهادا، عبادة ومعاملة، حيث لا ينفصل النظر عن العمل، ولا القول عن الفعل، ولا التزكية عن المشاركة في هموم الأمة والإنسانية، ولا أعمال الدعوة عن خدمة الأسرة، ولا التبتل عن التسوق…
الآخرة تنظم الدنيا. ومن يكدر آخرته لعاجل دنياه فنصيبه الخسران، وإن كان يظن أن ما يخوض فيه من متاع الدنيا قسمة له مقسومة.
والاستقامة في الدنيا تنظم الآخرة. فإن من لا يأوي إلى ركن أمين، ولا يجد من بدنه عافية تمكنه من الكسب، ولا يترك له هم القوت اليومي فسحة لتدبير عاقبته بعد الموت لفي كبد، يذهله تدبير دنياه المضطربة عن تدبير آخرته.