كان الصحابة رضي الله عنهم ومَنْ تَبعهم بإحسان يواظبون على النوافل مواظبتَهم على الفرائض، ولا يفرقون بينهما في اغتنام الثواب. روى مسلم عن النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّى لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلاَّ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ،
شهر رمضان من أعظم نفحات الدهر، فيه تتنزل الرحمات، وتضاعف الحسنات، ويجزل المولى عز وجل فيه العطايا والهدايا والمكرمات، كما بشرنا رسول الله ﷺ إن أقبل باغي الخير، وأقصر باغي الشر[1]، بالمسارعة للتوبة والصلح مع الله، والتحرر من دواعي النفس الأمارة بالسوء، ومن الغواية الشيطانية، والإقبال على الطاعات من صيام وقيام وتلاوة للقرآن وجميع القربات، فالمحروم من انسلخ الشهر الفضيل وقد حرم من بركاته استئهالا لرحمة الله ومغفرته بكرمه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: “رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه فلم يدخلاه الجنة” (أخرجه مسلم). ويبقى السؤال الجوهري هو كيف ننتقل من التوبة إلى الأوبة والإنابة والحضور الدائم مع الله تعالى في رمضان وبعده؟
رمضان شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران الذي أخبر فيه مبعوث الحق ﷺ بأن المحروم من أدركه ولم يغفر له، فالموفق السعيد من يسطر برنامجا يسير عليه في المدرسة الرمضانية ذات الأيام المعدودات، برنامج يشمل ما وجب تثبيته، وما وجب الاجتهاد فيه، وما وجب الامتناع عنه.
ما أشدَّ حاجة العبد المؤمن المخلص في مسيره إلى مولاه، إلى أن يختار الأزمنة الفاضلة ليخلو بنفسه، ويركن إلى زاوية الفكر والذكر يتأمل حاله، ونعمة الله عليه فيحمده ويشكره، في كنف أسرته وفي حضرة صحبة الصادقين الذاكرين المجاهدين في أوقاتٍ ومناسبات تُحيي فطرته وتُقوِّي صلته بمولاه. وإن مدار الأعمال على القلب، وأكثرُ ما يفسده تلك المشوشاتُ والشواغلُ التي تصرفه عن الإقبال على الله عز وجل من شهوات الطعام والشراب وفضول الكلام والنوم…
في غير ما مرة ينصح الأستاذ عبد السلام ياسين جلساءه وتلاميذه بقراءة هذا الكتاب الصغير في حجمه العظيم في فائدته، والذي لخص فيه الغزالي تجربته الروحية ومسيرته الفكرية واختياراته المعرفية، واعترف فيه بأخطائه ومراجعاته، وصرح فيه بموقفه الواضح من العلوم التي تلقاها ومن طوائف الناس الذين تعرف على مللهم ونِحلهم، وقدم شهادته في علم التصوف والسلوك والمعرفة والتزكية. وعنوان الكتاب هو “المنقذ من الضلال والموصل إلى ذي العزة والجلال”، وإن اشتُهر بنصفه الأول اختصارا، غير أن صاحبه أراده أن يجمع بين فضيلتين: