سيدي أحمد أستاذٌ متميز في أخلاقه وتفكيره وتعبيره وموقفه، كما يشهد له كثير من محبيه وتلاميذه وطلبته في مركز تكوين المعلمين بمراكش، قبل شهادة أبنائه وإخوانه في التنظيم الذي يمثل لهم قدوة في الصدق والوفاء والفهم والشهامة والثبات، وقد أعطى عربون صدقه مبكرا، في لحظات صعبة جدا في تاريخ الحركة الإسلامية عموما وتاريخ جماعة العدل والإحسان خصوصا. فما أن عرف الحق حتى طلبه، وصحب أهله وبذل نفسه وأنفق ماله، فهو الذي تحمل إلى جانب الأستاذ محمد العلوي رحمه الله مسؤولية طبع رسالة “الإسلام أو الطوفان” وتوزيعها في المغرب على النخبة السياسية والعلمية والثقافية، ونسخةٌ منها وصلت الملك طبعا، حيث سهرا على تحويلها من مخطوط إلى مطبوع، واصلين الليل بالنهار في تصفيفها بطريقة “تقليدية” مُتعبة، خلال أكثر من 20 يوما في القاعة 6 في مدرسة الإمام الـجُزولي[1] بمنطقة دوار العسكر بمراكش (وتشتهر أيضا بمدرسة السِّي العلوي لأنه كان مديرا لها آنئذ).
إن ارتباط العمق الإيماني والسلوك التدافعي بفتية شببة تعليم قرآني وهدي رباني عميق يلفت نظرنا إلى الضرورة الملحة للاعتناء بالشبـاب احتضانا وتربية وتعليما وتدريبا، فهم عماد بناء الجماعة المؤمنة ونصـرة الدعـوة وبناء الأمة، ومن خدامّ مستقبلها المشرق بإذن الله تعالى. ويتأكد الأمر بصورة أوضح بالنظر إلى ما تعيشه الأمة الآن في غزة وكل فلسطين، من تدافع بين الحق والباطل، فما نراه من مشاهد بطولية للشباب المؤمن بربه المجاهد في سبيله مدهش للغاية، فلئن ضرب شباب الصحابة الكرام رضي الله عنهم …
وأنت تتابع مضامين الخطاب الإسلامي بشقيه الثقافي والسياسي، في المشرق والمغرب، تلاحظ ضمورا في “ثقافة الآخرة” وتضخما في “ثقافة الدنيا”، فقلَّما تجد من يتحدث عن الآخرة والموت ولقاء الله تعالى، إذ يغلب على الكثير من المتصدرين للكلام في منصات التواصل ومنابر التأطير والتوعية التركيز على مزايا الإسلام وأركان الإيمان ومصالح الناس في الدنيا إن هم طبقوا شريعة الإسلام.
ولئن كان حفظ مقاصد الدين بحوط الشباب في دينهم وأنفسهم وعقولهم وأموالهم وأعراضهم واجب الدولة، فإن على الدعوة بمقتضى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانة حماية الشباب واحتضانهم في بيئات تربوية إيمانية، يتلقون من خلالها تربية تهذب الوجدان وتقوم السلوك وتنور العقول وتبعث الإرادات. فما الاحتضان التربوي؟ وما أهميته في بناء الشخصية المتوازنة للشباب؟ وما طبيعة المحاضن التربوية وكيف يمكن أن تسهم في التربية الإيمانية للشباب؟ وما المعالم الكبرى للاحتضان التربوي للشباب؟ هذه الأسئلة مدار الحديث في هذا المقال.
للإمام أسلوبه الخاص في الكتابة، بل صنع جهازه المفهومي المتفرد عن غيره من الكُتاب والمفكرين، فمن يقرأ له يجده فريدا في أسلوبه، وهذه عادة الكُتاب الكبار لما يُطوعون اللغة ويصنعون المضامين بطريقتهم الخاصة، فيبصمون الكتابة ببصماتهم المتميزة، حتى مواضع تأوهاتهم تدل على نمط شخصيتهم ومستوى عمق تفكيرهم