وهذه حقيقة ماثلة في كتاب الله عز وجل وفي سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وفي تاريخ المسلمين، وانظر قول سيدنا عمر بن الخطاب في رسالته لقائد معركة القادسية سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما: “وآمرك ومن معك أن تكونوا أشدّ احتراساً من المعاصي منكم من عدوّكم، فإنّ ذنوب الجيش أخوفُ عليهم من عدوّهم، وإنّما يُنصر المسلمون بمعصية عدوّهم لله،
كما حفظت لنا تلك الصورة البديعة ومظاهر الحبور يوم أقبل رسول الله ﷺ على الأنصار وحل بالمدينة فاستنارت، وأضاء منها كل شيء وفتح الله به القلوب والعقول والأغلال التي كانت عليهم، وجعل الله تعالى فرحهم به مبثوثا في قلوبهم رضى وفي وجوههم الطلقة بشاشة إلى يوم القيامة.
لم تحظ شعيرة من شعائر الإسلام بما حظيت به الصلاة من حيث مناسبة فرضيتها، وتدقيق تفصيلاتها، وحجم الاهتمام بها والتعظيم لشأنها. فقد فُرضت في لقاء سطعت فيه شمس الحب، وشعَّت فيه أنوار القرب، وانقشع فيه ظلام الضيق والكرب. إنها ليلة الإسراء، وما أدراك ما ليلة الإسراء. فيها فرضت على المسلمين خمس صلوات، وفي صبيحتها هبط جبريل عليه السلام ليُعلِّم النبيَّ صلى الله عليه وسلم كيفياِتها ومواقيتَها.
ولارتباط الفرح بالمحبة، وكون أحدهما ثمرة للآخر، فإنه كما لا حدود للتفاني في المحبة للشخص الكريم على الله حتى يكون أحب إلينا من الناس أجمعين ومن أنفسنا، فكذلك لا حدود للفرح بمن أرسله الله رحمة للعالمين، حتى نخلع في حبه العذار. ومن ثم يكون الفرح بالتأسي به واتباع سنته والذود عن دعوته، لا ادعاء وقعودا، فالمحبة دعوى والقيام بالحقوق برهان. هذا هو الميزان.
للإمام أسلوبه الخاص في الكتابة، بل صنع جهازه المفهومي المتفرد عن غيره من الكُتاب والمفكرين، فمن يقرأ له يجده فريدا في أسلوبه، وهذه عادة الكُتاب الكبار لما يُطوعون اللغة ويصنعون المضامين بطريقتهم الخاصة، فيبصمون الكتابة ببصماتهم المتميزة، حتى مواضع تأوهاتهم تدل على نمط شخصيتهم ومستوى عمق تفكيرهم