جاءنا رمضان المطهر، شهر الخير والعطاء والإقبال على الكريم الوهاب، موسم الخير والمكرمات الربانية، لنا في كل وقت من أوقات ليله ونهاره مغنم، ليله ليل القائمين والمتهجدين التائبين المنكسرين بين يدي رب غفور رحيم، ونهاره ميدان ذكر الصائمين الواقفين عند حدود مولاهم عز وجل.
حلّ رمضان المعظم، شهر الخيرات والبركات، والغفران والرحمات، شهر العبادة والطاعات، الموفق فيه من شمّر عن ساعد الجد متوكلا على الباري عز وجل بالإقبال والتقرب إليه بالفرض والنفل، منكسرا بين يدي الغفور الرحيم، يسأله الرحمة والمغفرة والعتق من النار، والنصر والتأييد لأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من عظيم فضل الله عز وجل على أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نوع لها الطاعات، وجعل في أيام دهرها نفحات ترجى في أزمنة مباركة، غنيمة ميسرة لمن حالفته عناية التوفيق. ومن هذه الأزمنة المباركة شهر شعبان. فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: “ذاكَ شهرٌ يغفَلُ النَّاسُ عنهُ بين رجبَ ورمضانَ وهُو شَهرٌ تُرفعُ فيهِ الأعمالُ إلى رَبِّ العالمين وَأُحِبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائمٌ”
غالبا ما يُدرَج الحديثُ عن الغيبة في مصنفات أئمتنا وكتبهم ضمن أبواب “حفظ اللسان” كما فعل الإمام الغزالي في “إحياء علوم الدين”، وابن أبي الدنيا في “الصمت وآداب اللسان”، والنووي في “الأذكار”. رحم الله الجميع. وإن كانوا يرون أنها تتِمُّ بغيره. قال ابن قدامة رحمه الله: ( واعلم أن كل ما يفهم منه مقصود الذم، فهو داخل في الغيبة، سواء كان بكلام أو بغيره، كالغمز، والإشارة والكتابة بالقلم، فإن القلم أحد اللسانين )
في غير ما مرة ينصح الأستاذ عبد السلام ياسين جلساءه وتلاميذه بقراءة هذا الكتاب الصغير في حجمه العظيم في فائدته، والذي لخص فيه الغزالي تجربته الروحية ومسيرته الفكرية واختياراته المعرفية، واعترف فيه بأخطائه ومراجعاته، وصرح فيه بموقفه الواضح من العلوم التي تلقاها ومن طوائف الناس الذين تعرف على مللهم ونِحلهم، وقدم شهادته في علم التصوف والسلوك والمعرفة والتزكية. وعنوان الكتاب هو “المنقذ من الضلال والموصل إلى ذي العزة والجلال”، وإن اشتُهر بنصفه الأول اختصارا، غير أن صاحبه أراده أن يجمع بين فضيلتين: