اسمه المصطفى ﷺ
عد ابن حجر في فتح الباري «المصطفى» من الأسماء المشهورة للنبي صلى الله عليه وسلم، كما عنون به القاضي عياض وابن الجوزي كتابيهما في السيرة، وابن دحية كتابه المستوفى.
قال الله عز وجل : ﴿اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾[1].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ﷺ : «خلق الله الخلق فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار إلى خيار».
وروى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ﷺ : «خير العرب مضر، وخير مضر بنو عبد مناف، وخير بني عبد مناف بنو هاشم، وخير بني هاشم بنو عبد المطلب، والله ما افترقت فرقتان منذ خلق الله آدم إلا كنت في خيرهما».
اصطفى الله عز وجل نبيه محمدا ﷺ لتبليغ رسالته الخاتمة، فجعله أصفى خلقه على الإطلاق، فدلت صفة الاصطفاء مُعرَّفة على اللزوم، فصارت اسما له ﷺ. قال الله عز وجل : ﴿اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾[2]. وصفه الإمام علي كرم الله وجهه بقوله : « أفضت كرامة الله سبحانه إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فأخرجه من أفضل المعادن منبتا، وأعز الأرومات مَغْرسا. من الشجرة التي صَدعَ منها أنبياءَه، وانتخب منها أمناءه. عترتُه خير العِتَرِ، وأسرته خير الأسر. وشجرته خير الشجر. نبتت في كرم، وبسقت في كرم»[3].
وإن طهارة أصله ﷺ وشرف محتده لا يحتاجان إلى إقامة دليل ، فهو النخبة من بني هاشم، وسلالة قريش، وأشرف العرب وأعزهم من قِبَل أبيه وأمه، ومنبته مكة أكرم بلاد الله تعالى. شهد له ﷺ بذلك العدو قبل الصديق، فعل ذلك أبو سفيان بن حرب بين يدي ملك الروم، وعمرو بن العاص قبل إسلامه عند النجاشي.
رحم الله القائل :
الصَّفْوُ والصَّفَاءُ نَقِيضُ الكَدَرِ، صفَا الشيءُ والشَّرابُ يَصْفُو صَفاءً وصُفُوّاً. وصَفْوُهُ وصَفْوَتُه وصِفْوَتُه وصُفْوَتُه: ما صَفَا منه. واسْتَصْفَى الشيءَ واصْطَفاه: اختارَهُ. والاصْطِفاءُ: الاخْتِيارُ، افْتِعالٌ من الصَّفْوَةِ. والنبِيُّ، ﷺ صَفْوَةُ الله منْ خَلْقِه ومُصْطَفاهُ، والأَنْبِياءُ المُصْطَفَوْنَ، وهم من المُطْطَفَين إذا اخْتِيرُوا، وهُمُ المُصْطَفُون إذا اختاروا، عليهم الصلاة والسلام[4].
قال الصالحي الشامي : «والمصطفى من أشهر أسمائه ﷺ وأصله «مصتفوٌ» لأنه مأخوذ من الصَّفوة وهو الخلوص، وإنما تحركت الواو وانفتح ما قبلها، وأُبدلت تاءُ الافتعال منه طاءً لوقوعها بعد الصاد التي هي أحد حروف الإطباق»[5].
ومن لطائف الإشارات في معنى الاصطفاء في حقه ﷺ ما ساقه الإمام الحرالي رحمه الله في شرح معنى اسمه المصطفى: «الاصطفاء افتعال من الصَّفوة، أنبأ عن استخلاص الصفاوة، بترتيب وتدريج وتنزيل وتطوير. وإن الله أَوْدع نورَ سيدنا محمد ﷺ كل الغيب من مدد الكائنات، فأبداه في الخلق الآدمي بما آدمُ صفوة جميع المخلوقات، الجامع لظاهر الخلق وباطن الأمر، فكان بنور سيدنا محمد ﷺ نُطْقُ كل ناطق وحس كل حاسّ، وعقل كل ذي عقل، بما كل نور من نوره وكل وجود من وجوده. فلم يزل يترقى نوره في الخلق الآدمي ترقيا واستخلاصا ﷺ.
قال : «ويلحظه كل ذي حظ فيرى من صورته قدر ما له عنده من الجلالة، وبقدر ما انطوى عليه ضميره من المحبة. ولم يكن لشخصه ظل، فصفت جسمانيته في الجسمانيات إلى حد ليس وراء صفوتها صفاوة، كما صفت نفسانيته في النفسانيات، فشمله الاصطفاء ظاهرا وباطنا… وظهر اصطفاؤه ﷺ في كل شيء من خلقه، وفي كل رُتبة من أمره، حتى في أزواجه وأهل بيته وأهل السوابق معه. واستمر ذلك في ذراريهم وأعقابهم وأعقاب أعقابهم من غير استئناف، فانتهاء صفائه إلى جميع من انضاف إليه. وكان ﷺ المصطفى الذي انتهى اصطفاؤه في خاصته وعامته إلى غاية ليس وراءها منتهى»[6].
شملنا الله بهذا الاصطفاء وجعلنا في خاصته، وذرارينا وأعقابَنا وأعقابَ أعقابنا إلى ما شاء الله، هو ولي ذلك والقادر عليه.
رثت عاتكة بنت عبد المطلب، النبي ﷺ قائلة:
صلى الله على رسول الله وآله والحمد لله رب العالمين.
[1] سورة الحج، الآية 73.
[2] سورة الأنعام، الآية 125.
[3] نهج البلاغة، للإمام علي بن أبي طالب، الجزء 1، ص 185.
[4] لسان العرب لابن منظور.
[5] سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، محمد بن يوسف الصالحي الشامي، ج 1، ص 588، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى، 1993.
[6] إبداء الخفا في شرح أسماء المصطفى، الإمام علي بن أحمد الحرالي، تحقيق أحمد المزيدي، ص 267، دار الكتب العلمية، بيروت، 2007.
أضف تعليقك (0 )