post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

إن الله جلت عظمته فائضُ الكرم رحيمٌ بالخلق يحب من يدعوه ويغضب على من لا يدعوه. روى الترمذي رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  «من لم يسأل الله يغضب عليه». وأخرج أصحاب السنن من حديث النعمان بن بشير قوله ﷺ: «الدعاء هو العبادة» ثم تلا قوله عز وجل : ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين، ونور السماوات والأرض».
إن الله جلت عظمته يعرض فضله على العباد يحب من يدعوه، ويجيب المضطر إذا دعاه، ويغضب على من يتكبر عن الدعاء، ليحدث عند المستغني الافتقار والاضطرار.
وإن من لطف الله بعباده أن ساق لنا في كتابه العزيز أمثلة من تضرع الأنبياء عليهم السلام وتفضله عليهم لنتأسى بها، وما ذكر كتاب الله لهم من دعاء لهم عليهم السلام إلا مقرونا بالاستجابة. قال الله عز وجل في سورة الأنبياء: ﴿وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾. وقال جل من قائل: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾. وقال: ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾.
الدعاء رابطة قوية بين العبد المقرَّب وربِّه، بل هي أمتن الروابط، وأقرب القُرَب. قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.
وإن حالة القرب التي يفوز بها العبد إبان الدعاء لهي عند أهل الله أولى من الاستجابة، لأن الاستجابةَ رغبة العبد والقربَ مراد الرب. وما تأخرت الاستجابة فيه من حاجات دون هذا المطلب العلي فهو منحة زائدة محبوبة لأنها هدية الحبيب، لكن وجه الله عندهم أعز ما يطلب.
وقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم من دعائه جوامعَ فضلٍ وتضرعٍ علينا أن نتأسى بها ونستند إليها ونحفظها وننسج على منوالها.
روى الإمامان أحمد وأبو داود رحمهما الله بسند حسن عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله ﷺ يستحب الجوامع من الدعاء، ويَدَعُ ما سوى ذلك». قال الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله : «على أنه ﷺ أرشدنا أن يكون دعاؤنا شاملا حتى ندعو الله في كل حاجاتنا مهما كانت، فهو سبحانه يعلم دقائق الأمور كما يعلم جلائلها، وسؤال العبد ربه في جزئيات معاشه كسؤاله إياه في كليات معاده أدعى للاعتراف بالعجز والتبري من الحول والقوة»[1].
 روى الترمذي والإمام أحمد والبخاري رحمهم الله في الأدب المفرد بسند حسن عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «لِيَسْأَلْ أحدُكُم ربَّه حاجته كُلَّها. حتى يسأل شِسْعَ نعْلِه إذا انقطع».
روى الترمذي حديثا حسنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أوى إلى فراشه طاهرا يذكر الله حتى يدركه النعاس، لم ينقلب ساعة من الليل يسأل الله من خير الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه»[2].
ثم يسمو قصد الصادق المشمر ، فيطلب بعد عافية طعم الإيمان، وصحة خير الدنيا والآخرة، مزية الدخول في كنف الرعاية الشاملة والعناية الضافية.
وإن الدعاء من أعظم الذكر، لأنه أكثر حالات العبد حضورا مع الله عز وجل بالحاجة والندم والاضطرار والرجاء والخوف. «الذكر دعاء والدعاء ذكر. ولذكر الله بالقصد الأكبر أكبر والله يعلم ما تصنعون»[3].
أخرج الترمذي والإمام أحمد وغيرهما بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ليس شيءٌ أكرَمَ على الله من الدعاء».
ومن كرَم الدعاء على المولى الكريم سبحانه أن رصَد له ثوابا جزيلا. يأتيه عبيده أذلاء مفتقرين إلى نَواله مضطرين إلى خيره، فيُجْزل لهم المثوبة، ويَغرِفُ للسائلين من بحر مُلكه ومَلَكوته سبحانه.
أخرج الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان عطاء الحسن بن علي رضي الله عنه كل سنة مائة ألف، فحبسها معاوية في بعض السنين فحصلت له ضائقة شديدة،  قال فدعوت بدواة لأكتب لمعاوية لأذكره بنفسي، ثم أمسكت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال كيف أنت يا حسن ؟فقلت بخير يا أبت، وشكوت إليه تأخر المال عني، فقال أدعوت بدواة لتكتب إلى مخلوق مثلك تذكره ؟ فقلت نعم يا رسول الله، فكيف اصنع ؟ فقال قل: اللهم اقذف في قلبي رجاءك واقطع رجائي عمن سواك حتى لا أرجو أحدا غيرك٬ اللهم وما ضعفت عنه قوتي وقصر عنه علمي  ولم تنته إليه رغبتي  ولم تبلغه مسألتي ولم يجر على لساني ,مما أعطيت أحدا من الأولين والآخرين من اليقين فخصني به يا أرحم الراحمين.
قال فوالله ما ألححت به أسبوعا حتى بعث إلي معاوية بألف وخمس مائة، فقلت الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ولا يغيب من دعاه، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال يا حسن كيف أنت؟ فقلت بخير يا رسول الله، وحدثته بحديثي فقال: يا بني هكذا من رجا الخالق ولم يرج المخلوق.
ذلك أن الدعاء عبادة لا تنقطع، فالمداومة عليها والمواظبة والصبر هي الطريق إلى رضى الله عز وجل، ومن نواقض الدعاء ونواقصه الملَلُ والاستعجال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُستجاب لأحدكم ما لم يَعْجَلْ، يقول: دعوت ربي فلم يستجب لي».
وإن تاج الأدعية وذروة سنامها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فكل دعاء محجوب حتى يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم. ومن حَدَب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعطفه على أصحابه ، أنه كان يعلمهم الدعاء كما يعلمهم القرآن. وكان يؤثر بعض أصحابه في ذلك، ومنه دعاء سيدنا معاذ الذي قدم له رسول الله بأن قال له يا معاذ، إني لأحبك، فلا تدعنّ في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. ومنه دعاء أبي الدرداء. والدعاء الذي كان صلى الله عليه وسلم يؤثر به صبية بني هاشم : اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة&#8230;
وفي دعاء الرابطة الذي ندب له الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله ورضي عنه، وما فتئ يوصي به ويحض عليه، من الخير الجزيل والعطاء الوفير ما لا يحظى به إلا الموفقون الذين يغنمون أعمارهم بلياليها، قياما في جوف الليل يصلون لله ويدعونه، ويسألونه من خير الدنيا والآخرة. ويُحرم النُّوَّم الغافلون فيض كرمه سبحانه، وخزائن فضله وهواطل نعمائه.
قال رضي الله عنه: «ونرى دعاء الرابطة ضروريا لربط المؤمنين في جماعة. فإذا سرى معنى الربط بتكرار المجالسة، وتكرار الوقوف بين يدي الله في الصلاة، والعمل المشترك، والدعاء الرابط، التقت الصحبة بالجماعة ولم تكن الجماعة شكلا ولا الصحبة صحبة انفرادية.
بهذا الدعاء يشعر المؤمن بانتمائه إلى الموكب النوراني -موكب الإيمان والجهاد- من لدن آدم عليه السلام إلى يوم القيامة، فيدخل الداعي في بركة أمة الخير التي تولاها الله عز وجل، ويزداد صلة إيمانية ومحبة بمن يدعو لهم عن ظهر غيب من إخوته».
ومن شعره أقطف هذه الأبيات :
بُشراكَ يا من في الدّجَى&#8230;.والناسُ في حُلْمٍ جَميلْ
لَبَّيْتَ رَبَّكَ ناهِضاً فِي&#8230;.ثُلْثِ لَيْلَتِكَ الطّوِيلْ
إذ رَبُّنا بِسَمائِهِ&#8230;.يَدْعو العِبَادَ إلى القَبُولْ
فدَعَوْتَ رَبَّكَ واقِفا&#8230;.بالبابِ، تُقْبِلُ لا تَمِيلْ
ودَعَوْتَ ربَّكَ بُكْرَةً&#8230;.ودَعَوْتَ ربَّكَ في الأصِيلْ
مَن بَاتَ يَسألُ واهباً&#8230;.لاَشَكَّ يَحْظَى بالْجَزيلْ
صلَّى الإله على الذي&#8230;.مِنْهاجُهُ مَهَدَ السَّبيلْ
إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما : اللهم صل على سيدنا محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد.
<hr />
[1]  الإحسان، عبد السلام ياسين، الجزء الأول، ص 248، دار لبنان للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الثانية 2018. [2]  سنن الترمذي، أبواب الدعوات، رقم الحديث 3526. [3]  الإحسان، عبد السلام ياسين، الجزء الأول، ص 248، دار لبنان للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الثانية 2018.

التزكية والدعوة

الدعاء سلاح المؤمن

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

روح المسجد

الفرح برسول الله ﷺ

محبة النبي الكريم ﷺ

الهداية إيمان بالغيب ويقين بالآخرة

نظرات في رسالة تذكير للإمام عبد السلام ياسين

الجرح الفلسطيني

مقالات ذات صلة