post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

زينب بنت جحش
الصوامة القوامة الصَّنَاع
هي زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر الأسدية، الشريفة الحسناء، سليلة بني أسد بن خزيمة المضري، وحفيدة عبد المطلب بن هاشم، أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم.
كانت السيدة زينب رضي الله عنها كريمة العنصر، شريفة النسب، طيبة الجرثومة، حسناء جميلة وضيئة.  زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم أول الأمر زيد بن حارثة، وهو يومئذ ابنه بالتبني قبل أن ينزل الوحي في ذلك.
وقد كرهت زينب، وكره أخوها عبد الله بن جحش أن تزف الشريفة المضرية إلى مولى من الموالي، حتى نزل قول الله عز وجل : ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴾[1]. فتزوجت السيدة زينب زيدا طاعة لله ورسوله.
لكن زيدا قاسى من صدها وإبائها وترفعها ما أعياه واستنفد صبره، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة، فكان يطيب خاطره ويصبره ويأمره أن ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ﴾[2]. لكن زينب هجرته، فما استطاع إليها سبيلا، حتى نفد صبره ففارقها وكان الطلاق.
ولما انقضت عِدتها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد:  «اذكرها علي»، فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها، فقال لها: يا زينب ، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك، قالت : «ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي»، فقامت إلى مسجدها[3].
 وما لبثت أن نزل الوحي في شأنها: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ الَلهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ  فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولًا ﴾[4].
فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتكلم في ذلك المنافقون وقالوا: حرم محمد، نقول صلى الله عليه وسلم، نساء الولد، وقد تزوج امرأة ابنه فأنزل الله عز وجل : ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾[5]، وقال في حق سيدنا زيد : ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله﴾[6]. فدعي من يومئذ زيد بن حارثة وكان يدعى زيد بن محمد.
كانت السيدة زينب يوم تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الخامسة على أرجح الأقوال بنت خمس وثلاثين، وكان اسمها برة، فسماها النبي صلى اله عليه وسلم زينب. فغارت نساء النبي صلى الله عليه وسلم وضقن بهذه العروس الجديدة، فهي ذات الجمال والشرف والقربى منه صلى الله عليه وسلم، وقد كانت تفتخر بذلك ولا تخفيه، واجهتهن ذات مرة قائلة : «أنا أكرمكن وليا وأكرمكن سفيرا[7]، زوجكن أهلكن ، وزوجني الله من فوق سبع سماوات!»[8]
ولم تكتم أمنا عائشة غيرتها من زينب، ولكنها تعترف لها  بالحظوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول : «لم تكن واحدة من نساء النبي تناصيني[9] غير زينب». بل كان يحدث أن تحتدم بينهما المنافسة في حضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم فيدعهما وشأنهما، ومرة غلبت عائشة زينب رضي الله عنهما، فما زاد صلى الله عليه وسلم على أن تبسم وقال : «إنها ابنة أبي بكر!»[10]
على أن هذه الخصومة لم تمنع حفيدة عبد المطلب من الدفاع عن ضرتها في محنة الإفك، فذكرت لها ذلك الموقف النبيل، فقد روى الزهري من طريق ابن إسحاق قول السيدة عائشة عن السيدة زينب : «فأما زينب فقد عصمها الله بدينها فلم تقل إلا خيرا»[11].
كانت السيدة زينب رضي الله عنها قوامة صوامة تقية، قالت عنها أمنا عائشة رضي الله عنهما: «ولم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي يتصدق به ويتقرب به إلى الله عز وجل»[12].
بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه قال لعمر بن الخطاب : «إن زينب بنت جحش أواهة»، فقال رجل يا رسول الله ما الأواهة؟ قال صلى الله عليه وسلم : «الخاشعة المتضرعة»[13]، ثم تلا عليه السلام: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ﴾[14].
وكانت إلى ذلك كريمة خيرة، تصنع بيديها ما تحسن صنعه ثم تتصدق به على المساكين. فقد سُمعت عائشة رضي الله عنها تقول حين بلغها نعي زينب : «لقد ذهبت حميدة متعبدة ، مفزع اليتامى والأرامل»!
وتحكي بنت الصديق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهن مرة : «أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا»[15]، فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش، ولم تكن بأطولنا، فعرفنا حينئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد طول اليد بالصدقة، وكانت زينب امرأة صناع اليدين تدبغ وتخرز، وتتصدق في سبيل الله.
وحين حضرتها الوفاة سنة عشرين للهجرة قالت : «إني قد أعددت كفني، وإن عمر أمير المؤمنين سيبعث إلي بكفن، فتصدقوا بأحدهما، وإن استطعتم أن تتصدقوا بحقوي فافعلوا»، تعني إزارها رضي الله عنها.
وصلى عليها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وشيع أهل المدينة إلى البقيع أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها، أول من مات من نساء النبي، وأسرعن لحاقا به صلى الله عليه وسلم.
روت رضي الله عنها أحد عشر حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل في شأنها القرآن ثلاث مرار، في تزويجها زيدا وفي زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها نزلت آية الحجاب. وقيل إنها أول من حملت في النعش من موتى العرب. رضي الله عنها وأرضاها.
[1]  سورة الأحزاب، الآية 36. [2]  سورة الأحزاب، الآية 37. [3] المعجم الكبير للطبراني، الجزء 24، ص 40، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الطبعة الثانية. [4]  سورة الأحزاب، الآية 37. [5]  سورة الأحزاب، الآية 40. [6]  سورة الأحزاب، الآية 5. [7]  تعني بالسفير سيدنا جبريل عليه السلام.. [8]  رواه البخاري بسنده عن السيدة عائشة في صحيحه كتاب التوحيد: باب &#8220;وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الماءِ&#8221;. [9]  تنازعني وتباريني. [10]  رواه الإمام أحمد في مسنده، مسند عائشة، رقم الحديث 24575. [11]  رواه الإمام أحمد في مسنده، مسند عائشة، رقم الحديث 24317. [12]  كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم الأصبهاني، الجزء الثاني، ص 53،  مطبعة السعادة، 1974. [13]  سير أعلام النبلاء، الإمام الذهبي، الجزء الثالث، ص 476، دار الحديث، القاهرة، 2006. . [14]  سورة هود، الآية 75. [15]  رواه الإمام مسلم في صحيحه، باب من فضائل زينب أم المؤمنين، رقم الحديث 2452.

زينب بنت جحش

رمضان منحة ربانية فلتغنميها

المرأة والأسرة

زينب بنت جحش

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

روح المسجد

الفرح برسول الله ﷺ

محبة النبي الكريم ﷺ

الهداية إيمان بالغيب ويقين بالآخرة

نظرات في رسالة تذكير للإمام عبد السلام ياسين

الجرح الفلسطيني

مقالات ذات صلة