مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

التزكية والدعوة

أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم 

0
أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم 

إن معرفة رسول الله تقتضي معرفة أسمائه وصفاته وشمائله، لتعزيره وتوقيره والتعرض لمكافأته صلى الله عليه وسلم على إحسانه إلينا، ولو أنها نعم عظمى لا يقدر على مكافأته عليها إلى الله تعالى.

رحم الإمام الشافعي قال في ذلك : «فجزاه الله تعالى عنا أفضل ما جزى به مرسلا عمن أرسل إليه، فإنه أنقذنا من الهلكة، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، دائنين بدينه الذي ارتضى واصطفى به ملائكته، ومن أنعم عليه من خلقه، فلم تمس بنا نعمة ظهرت ولا بطنت نلنا بها حظا في دين ودنيا، أو رفع بها عنا مكروه فيهما ، أو في أحد منهما إلا ومحمد  سببها القائد إلى خيرها والهادي إلى رشدها»[1].

وإن معرفتة مقدمة لمحبته، لأن الإنسان مجبول على محبة الجميل وصاحب الجميل، ولا أجمل ولا أكرم من رسول الله. وبمقدار زيادة المحبة يزداد الإيمان، بل رضى الله تعالى جملة، والقرب منه منزلة صلى الله عليه وسلم دنيا وأخرى.

وقد انبرى أهل العلم والفضل فأثلوا في ذلك وألفوا، وأفردوا لعد أسمائه وشرحها الكتب والرسائل وصنفوا، رجاء الزلفى والقبول من النبي الرسول . منهم القسطلاني والسيوطي والباجوري والسهيلي وأبو بكر بن العربي وابن دحية وابن عساكر والقاضي عياض والنبهاني وغيرهم كثير رضي الله عن الجميع.

يقول الامام السيوطي في مقدمة كتاب له في الباب : «فهذا شرح على الأسماء النبوية رجوت أن تمتد إليه من الله الأيادي بالقبول، وأن أتوصل به إلى الشفاعة من الرسول، ولعل الله أن يجعله ختام عملي، ويبلغني مما سألته تجاه الحضرة الشريفة أملي، وسميته بالرياض الأنيقة في شرح أسماء خير الخليقة»[2].  

وإن الكلام جمل تنبئ عن صور الأشياء بيانا يستند فيه بعضها إلى بعض، لكنه لا يصل إلى بيان الحقائق جمعا وتكميلا، وإن الأسماء الأكمل دلالة والأجمع بيانا تكون بمطابقة الأسم لمسماه، ذلك أن أول ما خص الله به الخلق علم الأسماء. وعلم آدم الأسماء كلها.

يقول الإمام الفخر الحرالي رحمه الله في كتابه «إبداء الخفا في شرح أسماء المصطفى»، كلاما بديعا في فائدة تعلم أسماء النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم: «وكما أن استجلاء أسماء الله أجمع العلم وأبين الحكم، فكذلك أسماء النبي تُظهر في كماله ما لا يصل إليه تفصيل الأوصاف وتعداد الآثار، بما هي أجمع وأجمل وأوجه إلى الإحاطة، وأكمل لاشتمال الأسماء على بيان جهات الذات، واجتماعها إلى اسم هو مسماها، هو أعظمها بما هو حجاب العين الذي موقعه في السمع كموقع العين من الرؤية، الذي بكمالها انفرادا وباتصالهما أحديةً، يقع الوجد في القلب وصلا لمِا كان موقعه في السمع والعين فضلا، فيبدو لذلك محل الأسماء من الاسم ومحل الاسم من العين، وتقع المعرفة بالمسمى اسماً ومعنىً والتحقق وجدا، والله ذو الفضل العظيم»[3].

يستشف من كلامه رحمه الله أن كل اسم علمته وعقلته لرسول الله صلى الله عليه وسلم لبنة في المعرفة به، ودرجة في القرب منه تنالها، فمحبته تعرفها الحواس ويعقلها اللب فتقع في القلب موضع القرب.

«وإن حقيقة الاسم من السمو ابتداء وغاية، فالتأمت الأسماء بمسمياتها وكان لها حظ من ذواتها، فصار الاسم من السمو أخذا من عين المسمى سواء أظهر بالقول أم لم يظهر، حتى قيل إن الاسم هوالمسمى، وكان الحق أن يقال إن الاسم من المسمى لأن الحظ من الشيء بعضه لا كله»[4].

وقال ابن القيم رحمه الله : «ولما كانت الأسماء قوالب المعاني ودالة عليها، اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبينها ارتباط وتَناسُب، وألا تكون مهعا بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلق له بها، فإن حكمة الحكيم تأبى ذلك والواقع يشهد بخلافه، بل للأسماء تأثير في المسميات وللمسميات تأثير في أسمائها في الحسن والقبح والثقل واللطافة والكثافة»[5].

وإن لرسول الله رسول الله أسماء كثيرة، اختلف أهل العلم في عدها وإحصائها، ذلك أن كثرة الأسماء يدل على عظم المسمى ورفعته وذلك عناية بشأنه، ألا ترى أن أكثر المسميات في كلام العرب أسماء، أكثرُها عندهم مقاما واعتناء.

نقل الإمام الترمذي قال بعض الصوفية : لله عز وجل ألف اسم وللنبي ألف اسم. وقد ألف الحافظ السيوطي رسالة سماها «البهجة السنية في الأسماء النبوية» جمع فيها نحو الخمس مئة.

وجمع ابن دحية في المستوفى ما يزيد عن الثلاثمائة، وزاد غيرهم ونقص.

إلا أنهم يتفقون جميعا على الأسماء التي جاءت في كتاب الله، أو على لسانه باللفظ الواضح: فعن جبير بن مطعم بن عدي رضي الله عنه قال : قال رسول الله : «إن لي أسماءً، أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدميَّ، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي»[6].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله : «اسمي في القرآن محمد، وفي الإنجيل أحمد، وفي التوراة أحيد، وإنما سميت أحيد لأني أحيد أمتي عن نار جهنم». وزاد نقلا عن ابن عساكر : «الفاتح، وطه، وياسين، وعبد الله، وخاتم الأنبياء».

   وأفضل أسمائه محمد، قال القسطلاني : «وقد سماه الله تعالى بهذا الاسم قبل الخلق بألفي عام، كما ورد في حديث أنس رضي الله عنه».

 

قال حسان بن ثابث رضي الله عنه مادحا النبي  :

أغَــرُّ عَلَيْــهِ لِلنُّــبُوَّة ِ خَاتَـــمٌ
.مِنَ اللَّهِ نــورٌ يَلُــوحُ ويُشْــهَد
وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيّ إلى اسمهِ
.إذا قَالَ في الخَمْسِ المُؤذِّنُ أشْهَدُ
وشقّ لهُ منِ اسمــهِ ليُجـــــلهُ
.فذو العرشِ محمودٌ وهذا محمدُ

صلى عليه الله ما هبت النسائم وناحت على الأيك الحمائم، وما حن إليه مشتاق وهائم. والحمد لله رب العالمين.

[1] الرسالة، للإمام الشافعي، تحقيق أحمد شاكر، الطبعة الأولى، 1940، ص. 16.
[2] الرياض الأنيقة في شرح أسماء خير الخليقة، الإمام جلال الدين السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1985، ص. 12.
[3]  إبداء الخفا في شرح أسماء المصطفى، الإمام علي بن أحمد الحرالي، تحقيق أحمد المزيدي، مقدمة الكتاب.
[4]  نفس المصدر.
[5]  زاد المعاد، الإمام ابن قيم الجوزية، الجزء الثاني، ص. 336، الطبعة السابعة والعشرون، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1994.
[6]  صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن  باب قوله تعالى: من بعدي اسمه أحمد، رقم الحديث : 4896.

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد