السؤال الحر ابتداءً، السامي أهدافاً وغاية، يصفني أنا أمةَ الله بأنني أنا وأُمتي حَمَلَةُ رسالة إلى الناس كافة، نتعبأ لذلك المرمى البعيد، ونُشرف على ذلك الجهاد الطويل النفَس البعيدِ الـمَدى، لا من زاوية مقهورية الأمة وتسلط الغرب وغزو الصرب، لكن من وِجهة نظر مَن هم قدَرٌ من قدر الله. من وجهة نظر إيجابية لا ردَّ فِعْلٍ. هجوما بكلمة الله لا مجرد دفاع عن هُوَيّة.
نعم، المرأة المسلمة كانت مظلومة ولا تزال، هي زميلة الرجل المسلم في ما تعانيه أمس وهي سجينة أمية، واليوم وهي بين نار الدعوة التغريبية ورمضاء المخلفات الانحطاطية. ما من شكوى يبثها حال المرأة المسلمة ويلغط بها دعاة «تحريرها» أمس واليوم إلا ولها نصيب كبير من الصحة : استعباد المدنية، والمعاملة المهينة للبدوية، والأمية الأبجدية، والجهل، والأجور البئيسة
من برجها الاستراتيجي الجهادي تبعث المؤمنة بُعوثا في طليعتها البنات والأبناء، حفاظا عليهن وعليهم على الأقل، إن لم يكن الاستعدادُ ليسبِق الفارِسُ مُجَلِّياً. جيل يتقدم بالدعوة قُدُماً بعد جيل، راسخا علمُه بما هي المهمة، ثابتة أقدامه، متوكلا على ربه. ويَكون برج المؤمنة مشتلاً لتربية الشجر الطيب، ومنطلقا للبعوث الغازية، لا مجَّردَ ملاذٍ في الأحضان، ومَرْفإٍ للمراكب المنكسرة، ومطعمٍ ومضجع.
غرسة المرحمة في قلب المؤمنة يُعرف تغصينها وإزْهارها وإثمارها مما تشيعه حولها، الأقربَ فالأقرب، من أنواع البِر والإحسان والألطاف والأَرفَاقِ. ما بينها وبين ربها عز وجل لا سبيل إلى الاطلاع عليه، ونعرف المرحمة بآثارها. تصلح في الأرض حين يفسد فيها المفسدون. تبذر بذور الحب والرحمة في مجتمع الكراهية. تَتَفَرَّغُ لسماع شكوى المعاني. تنصَح المتخبطات في المشاكل وتشفع النصيحة بالبذل والعطاء والسعي لدَى من بيدهم مفاتِح المشاكل. تحوط برعايتها وعنايتها المنبوذات والمحرومات والملفوظين من أطفال البؤس.
ضِمْن السؤال عن سر التعبئة الصحابية أسئلةُ واجبِ المؤمنات في بناء أداة حكم ونظامِ حكمٍ مستقرٍّ على القواعد الإسلامية. أي يكون الحكم فيه للشعب لا للسيف. يكون فيه الاختيار بشورى بين المؤمنين، الرجل والمرأة فيها سواء، لا بأشكال ديموقراطية أَفْرَغَتْ الإسلام من الساحة.
يَا أُخْتُ سِيرِي في رِكَا****بِ الصالِحاتِ الخَيِّرَاتْ
سِيرِي عَلَى نَهْجِ النَّبِيِّ****مُحَمَّدٍ خَيْرِ الهُدَاةْ
سِيرِي بِصِدْقِ القَصْدِ وَاسْـ****ـعَيْ لِلْمَكَارِمِ في ثَبَاتْ
كُونِي مِثالاً للصِّيَا****نَةِ والدِّيانَةِ والأَنَاةْ
وَتَطَيَّبِي بِمَنَاقِبِ الإحسا****نِ طابتْ مِنْ صِفَاتْ
وَاحْمِي، هُدِيتِ، مِن الأَفَا****عِي والعِدَا ظَهْرَ الأُبَاةْ
صلّى الإلَهُ عَلَى الذي****قد جاءنَا بالبيِّنَاتْ
على مدرجتهن تجد المؤمنات قُبّرات عمياوات مصابات بشتى أنواع العمى، وبدرجات من غَشاوَة البصيرة، وأصناف من غَشاوة الفكر، وطبقات من ركام الجهل بالإسلام أو الأحكام المسبقة المخطئة عن الإسلام، أو العِداء السافر للإسلام.
من البيت الإسلامي تنطلق القومة، إن كان البيت يسكنه مؤمنون، وكانت قلوب المؤمنين يسكنها حب الله، والخوف من الله والرجاء. من البيت الإسلامي تنطلق القومة، وتمُرُّ بالمدرسة، وتستقوي بعد الله بمن سَمِع، ولبَّى، وسأل، وسُئل عنه، ولبّى النداء، والتفّ، واجتمع، وأيد، وانتظم. وكلها مراحل تربوية، تأخذ الأقرب فالأقرب السائر في الحياة بلا هدفٍ لتوقِظ فيه هم مستقبله الحقيقي الأبدي، ولتعقد له مع الله الصلح الكبير.
إذا استقر لدينا، والحديث دليـل قاطع، أن الذريَّة -صالحةً أو فاسدةً- هي من عمل الإنسان، لا ينفي كونُها خلقا لله كونَها عمَلاً للإنسان، فقد توجّه أمامَنَا عِظَمُ مسؤولية الإنسان عن ذريته: تصلح إن أصلحها، وتَفْسُدُ إن أساء تنشِئتها. فيترتب على هذا المنطقِ المستنير بنور الوحي ونور التوجيه النبوي منهاج المسؤولية البشرية عن صلاح الأجيال وفسادها. لا يهدي للصلاح إلا الله، لكن الهداية الإلهية يقيض الله لها بشرا يهدون. والغَوَايَةُ تضليل من شيطان جن أو شيطان إنس.
ثم يكون القرآن محور العملية التربوية ومورد العلم وجامع العلوم. لاسيما في السنوات التسع الأولى حين يتكون النسيجُ الأساسي للشخصية. هل يستوي في فرص علوق الإيمان بالقلب مَن غذينه بالأغاني رضيعا ومن ألقمنهُ مع ثدي اللبن ثدي التغني بالقرآن؟ قلت: فُرص العلوق. وإلا فالهداية الإلهية والرحمة تصيب من شاء الله كما يشاء الله.
لو تأملتَ معي أخي، وتأملتِ أختي يا حافظة الفطرة تكليفا وتشريفا، كَم من جرائد ومجلات وكتب تنشر في العالم، وكم غابات تحصد ليصنع الورق، وكم آلات تدور، وكم أفلام تصور، وكم آلات تَبُث، وكم أجهزة تلتقط، وكم برامجَ وكم موظفين. كل أولئك لا يتحدث إلا عن الدنيا وزينتها ولعبها وعبثها وملذاتها وشهواتها وأزماتها وسياستها واقتصادها واضطراب أهلها وهَوَس حركتها.
نهانا الله سبحانه عن تلويث ديننا بالقبيحة العظمى: الزنى. قال عز وجل: ﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً﴾.1 ومدح سبحانه مريم ابنة عمران التي أحْصنت فرجها فنفخ فيها سبحانه من روحه كما نفخ في آدم عليه وعليها السلام. المحصنات عِفَّةً قبلَ الزواج لهن من الطهارة نصيب مَرْيَمي. والمحصنات بعد الزواج العفيفات عن غير أزواجهن هن معين الطهارة في مجتمع اليوم، وصَبِيبُ السلامة والخلق وشرف النسب للأجيال اللاحقة.
إن العروج الروحي الذي قوّى النموذجين فاطمة وعليا على تحمل الشدائد ومجل الأيدي وإصابة الصدر ليس في متناول العامة من الخلق. ذاك كان بيت النبوة وجب أن يتألق مثالا في سماء الفضائل. لا تذهبنّ الحرفيّةُ بالمؤمنات والمؤمنين إلى اعتقاد أن الحصير ووسادة الأدم والليف وشظف العيش هي السر في فلاح من أفلح. إذا كان القلب فارغا من التعلق بالله تعالى فإن تساوِيَ الرجل والمرأة في شدة المعاش كتساويهما في رخائه، لا الشدة في حد ذاتها ولا الرخاء في حد ذاته يجلب السعادة الأخروية.
فاختيار الزوج الصالح في الإسلام له معايير مشروعة، وتستخير المؤمنة ربها وتستشير المأمونين والمأمونات على النصيحة. والزواج في الإسلام تكليف شرعي أنيط بذوي قُربى من لا زوج لها وبالأمة في قوله عز وجل: ﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ﴾2. فالسعي في ذلك ومساعدة الباحثة والباحث عن زوج من فضائل الأعمال.
ومن حيث التفتنا إلى واقع المسلمين، خاصة في عصور الاستهلاكية المتباينةِ فيها المكاسبُ تباينا فاحشا المتفشي فيها الفقرُ والبطالة إلى جانب الترف والتبذير، نجد ما يُؤلِمُ القلب ويحزن النفس. الضرورة تدفع نساء المسلمين المستضعفين للكسب خارج البيت. ومُجاراة الأوضاع العالمية والموضات الجاهلية تدفع الأخريات لامتهان وظائف تستهلك المرأة في غير ما خلقت له. وتتفكك الأسرة، ويهيم مجتمع المسلمين في درب الانحلال الأسروي الذي بلغ مداه في المجتمعات الغربية المصنعة الصاخبة المنحلة.
ما يفيض عن الوقت والجهد الأساسي التربوي تصرفه المؤمنة إلى مجال التعبئة العامة، مجال السياسة الآنية. تأسيس المستقبل وبناء المستقبل أولا، القومة التغييرية طويلة النفس بعيدة المدى أسبق. المؤمنة مربية أولا، ثم هي إن كانت لها الكفاءة، وكان لها الطموح والصبر وفائض الحيوية، أمينة مسؤولة عما تتطاول إليه همتها وتستحقه قدرتها على العمل والضبط.