مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

المرأة والأسرة

أم المؤمنين صفية رضي الله عنها

0
أم المؤمنين صفية رضي الله عنها

أم المؤمنين صفية رضي الله عنها

عقيلة بني النضير

خرج النبي عليه الصلاة والسلام في النصف الثاني من المحرم إلى خيبر معقل اليهود في ألف وأربع مائة مقاتل بين فارس وراجل، فما أشرف عليها حتى هتف: «الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين»[1]. وخربت خيبر وفتحت حصونها حصنا حصنا، وقتل رجالها وسبي نساؤها وفيهن عقيلة بني النضير صفية بنت حيي بن أخطب، وكان معها ابنة عم لها، فمر بهما بلال رضي الله عنه على قتلى يهود الحصن، فلما رأتهم المرأة التي مع صفية شقت ثوبها وصاحت وحثت التراب على رأسها، فقال ﷺ لبلال: «أنزعت الرحمة من قلبك حتى تمر بالمرأتين على قتلاهما؟»[2]، فقد كبُر عليه ﷺ أن ترى أسيرة ضعيفة قتلى قومها فعنّف بلالا من أجل ذلك.

ينتهي نسب السيدة صفية إلى سيدنا هارون أخي سيدنا موسى عليه السلام، أمها برة بنت سموأل.

ولم تكن حين سبيت قد تجاوزت السابعة عشرة من عمرها، ‏لكنها على صغر السن تزوجت مرتين، تزوجت أولا من فارس قومها وشاعرهم سلام بن مشكم، ثم خَلَف عليها كنانة بن الربيع بن أبي الحُقيق صاحب حصن القموص، أعز حصن في خيبر.

في حديث عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ لما أخذ صفية بنت حيي قال لها: «هل لك في»؟ قالت: «يا رسول الله قد كنت أتمنى ذلك في الشرك، فكيف إذا أمكنني الله منه في الإسلام»[3]، فأعتقها عليه الصلاة والسلام وتزوجها وكان عتقُها صداقَها.

 وكان قد همّ رسول الله ﷺ بالدخول بها قريبا من أطراف خيبر لكنها تمنّعت، فوجد عليها رسول الله ﷺ، وكتم في نفسه واستأنف المسير.

ولما كان بالصهباء بعيدا عن خيبر، جلَّتها له أم سليم، فكانت عروسا تأخذ العين، حتى إن أم سنان الأسلمية، قالت: «كنت فيمن حضر عرس صفية فمشطناها وعطرناها، وكانت من أضوإ ما يكون من النساء»[4]. فكان نساء النبي ﷺ يغرن من جمالها.

ولما دخل عليها رسول الله ﷺ قالت إنها في ليلة عرسها بكنانة بن الربيع رأت في المنام أن القمر وقع في حجرها، فلما صحت من نومها عرضت رؤياها على كنانة فقال غاضبا: ما هذا إلا إنك تمنين ملك الحجاز محمدا، ولطم وجهها لطمة ما يزال منها أثر اخضرار في عينها [5].

سَرّ رسولَ الله ﷺ ما سمع من حديثها، وسألها ما حملها على الامتناع أولا،

فأجابت على الفور: «خشيت عليك قرب اليهود»! فزال عن النبي ﷺ ما كان يجد في نفسه، وزادت عنده مكانة.

وبات أبو أيوب خالد بن زيد، أخو بني النجار متوشحا سيفه، يحرس رسول الله – ﷺ – ويطيف بالقبة، حتى أصبح رسول الله – ﷺ – فلما رأى مكانه قال: «ما لك يا أبا أيوب» ؟ قال : «يا رسول الله ، خفت عليك من هذه المرأة ، وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجها وقومها ، وكانت حديثة عهد بكفر ، فخفتها عليك» . فزعموا أن رسول الله ﷺ قال: «اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني»! [6]

وقد كان من حكمة العروس الجديدة وذكائها أنها لما أحست بغيرة نساء النبي تألفت قلوبهن بأن أهدت إليهن حليا من ذهب، وكذلك فعلت مع الزهراء بنت رسول الله عليه وعليها السلام. ومع ذلك لم تسلم منهن، قالت: دخل علي رسول الله ﷺ، وأنا أبكي فقال: «ما يبكيك يا ابنة حيي؟» قلت: بلغني أن عائشة، وحفصة تنالان مني، وتقولان: نحن خير منها، نحن بنات عم رسول الله ﷺ وأزواجه، قال: «أفلا قلت: كيف تكونان خيرا مني، وأبي هارون، وعمي موسى، وزوجي محمد» ﷺ[7].

فنزل عليها كلام النبي ﷺ بردا وسلاما، وكان لها منه حمى وملاذا، فقد كان ﷺ يحس غربتها في دوره بين نسائه فيدافع عنها كلما دعا الأمر.

ولم تحرم صفية هذه الحماية حتى آخر أيامه ﷺ. فعن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم: «أن نبي الله في وجعه الذي توفي فيه، قالت صفية بنت حيي: والله يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي، فغمزها أزواجه، فأبصرهن، فقال: مضمضن. قلن: من أي شيء؟ قال: من تغامزكن بها، والله إنها لصادقة»[8]. وأعظم بها من شهادة من رسول الله ﷺ!

ويروى أن السيدة عائشة ذكرت السيدة صفية بأنها قصيرة، فلم يرض بذلك ولم يقره. قالت رضي الله عنها: قلتُ للنَّبيِّ ﷺ: حسبُك من صفيَّةَ كذا. قال بعضُ الرُّواةِ: تعني قصيرةً، فقال: «لقد قلتِ كلمةً لو مُزِجتْ بماءِ البحرِ لمَزجَتْه»[9].

وقد كانت أم المؤمنين صفية قدوة النساء في الحلم والتقوى والورع والفضل، كريمة الخلق صافية السريرة تتصدق بعرضها. وصفها ابن الأثير رحمه الله في الاستيعاب قال: «كانت السيدة صفية حليمة عاقلة فاضلة»، وقال عنها الحافظ أبو نعيم في الحلية: «ومنهن التقية الزاكية، ذات العين الباكية، صفية الصافية زوج النبي ﷺ».

روى بن عبد البر «أن جارية لصفية أتت عمر بن الخطاب، فقالت : إن صفية تحب السبت ، وتصل اليهود ، فبعث عمر يسألها ، فقالت : أما السبت ، فلم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة، وأما اليهود  فإن لي فيهم رحما ، فأنا أصلها ، ثم قالت للجارية : ما حملك على ما صنعت ؟ قالت : الشيطان : قالت : فاذهبي ، فأنت حرة»[10] . «وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»[11]

وقد ورد لها من حفظها عشرة أحاديث روتها عن النبي ﷺ منها حديث واحد متفق عليه في الصحيحين عند الشيخين، وحدث عنها ثلة من التابعين منهم علي بن الحسين، وإسحاق بن عبد الله بن الحارث، وكنانة ومولاها وابن أخيها، وآخرون.

ومن مرويات أمنا صفية ما أخرجه الحافظ أبو يعلى في مسنده بسنده عن مسلم بن صفوان عن صفية أم المؤمنين قالت: «قال رسول الله ﷺ: لا ينتهي الناس عن غزو هذا البيت حتى يغزوه جيش، حتى إذا كان ببيداء من الأرض خسف بأولهم وآخرهم ولم ينج أوسطهم، قالت: قلت يا رسول الله: أرأيت المُكره منهم؟ قال: يبعثهم الله عز وجل على ما في أنفسهم».

وفي السنة الخمسين للهجرة زمن معاوية لبت أمنا صفية داعي ربها ودفنت بالبقيع مع باقي أزواج النبي الطاهرات.

رضي الله عن أمنا صفية وعن أزواج رسول الله جميعا، ورزقنا محبتهن وتوقيرهن ووفقنا للدعاء لهن والصلاة عليهن وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأزواجه وذرياته وصحابته وإخوانه وعنا معهم آمين والحمد لله رب العالمين.

 

[1]  صحيح البخاري، الإمام البخاري، رقم الحديث: 3647.
[2]  الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، بيروت: دار الكتب العلمية، 1410هـ، ج 8، ص 210.
[3]  المواهب اللدنية، الإمام القسطلاني، القاهرة: المكتبة التوفيقية، ج 1، ص 506.
[4]  الإصابة في تمييز الصحابة، ج 8، ص 412.
[5]  الروض الأنف، الإمام السهيلي، ج 7، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 2000، ص 104.
[6]  السيرة النبوية، ابن هشام، ج2، مؤسسة علوم القرآن، ص 340.
[7]  المعجم الكبير، الإمام الطبراني، القاهرة: مكتبة ابن تيمية، 1994، ج 24، ص 75.
[8]  سير أعلام النبلاء، الإمام الذهبي، مؤسسة الرسالة، 2001، ج2، ص 232.
[9]  رواه أبو داود 4875، والترمذي 2502، باختلاف يسير.
[10] سير أعلام النبلاء، الإمام الذهبي، مؤسسة الرسالة، 2001، ج2، ص 232.
[11]  سورة آل عمران، الآية 134.

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد