قال الله عز وجل : ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾[1]
وأخرج الطبراني في الأوسط ، وأبو نعيم في الدلائل عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله ﷺ : «أنا أحمد، وأنا محمد، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمَيَّ، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر، وإذا كان يوم القيامة كان لواء الحمد معي، وكنت إمام المرسلين وصاحب شفاعتهم».
وأفضل أسمائه ﷺ محمد، قال القسطلاني : وقد سماه الله بهذا الاسم قبل الخلق بألفي عام كما ورد في حديث أنس رضي الله عنه[2].
قال ابن القيم رحمه الله : وهو في الأصل اسم مفعول منقول من صفة الحمد وهو بمعنى محمود، ويتضمن الثناء على المحمود ومحبته وإجلاله وتعظيمه، وهذا حقيقة الحمد. وبني على زنة مفعَّل بتشديد العين مثل معظَّم ومبجَّل لأن هذا البناء موضوع للتكثير، فإن اشتق منه اسم فاعل فمعناه من كثر صدور الفعل منه مرة بعد مرة، كمعلِّم ومفهِّم ومفرِّح، وإن اشتق منه اسم مفعول فمعناه من تكرر وقوع الفعل عليه مرة بعد أخرى، أو الذي يستحق له الحمد إما استحقاقا أو وقوعا. فمحمد هو الذي كثر حمد الحامدين له مرة بعد مرة[3].
قال ابن حجر الهيتمي في شرح المشكاة : واعلم أن محمدا صالح لأن يكون اسم مفعول، أو اسم زمان، أو اسم مكان، أو مصدرا ميميا، قبل جعله علما، وأما بعده فهو علم على الذات الشريفة. أما كونه اسم مفعول فهو باعتبار وقوع المحامد كلها عليه، وأما اسم الزمان فهو اسم لزمان الحمد، وأما اسم المكان فهو اسم لمكان الحمد، وأما كونه مصدرا فيحتمل أن يكون علما على ماهية الحمد المطلقة، أو لملاحظة الوجود في الذهن، فيكون اسم جنس أو علم جنس، ويكون من المصادر التي جاءت أعلاما، ويحتمل أن يكون باقيا على معناه المصدري، ففي ذلك إشارة إلى أن كل عبد هو دال عليه[4].
وفي معناه قال ابن القيم رحمه الله : هو علم وصفة اجتمع فيه الأمران في حقه ﷺ وإن كان علما محضا في حق كثير ممن يسمى به غيره ﷺ. وهذا شأن أسماء الرب تبارك وتعالى وأسماء نبيه ﷺ، هي أعلام دالة على معان هي بها أوصاف مدح فلا تضاد فيها العلميةُ الوصفيةَ، بخلاف غيرها من أسماء المخلوقين. فهو الله الخالق البارئ المصور القهار. فهذه أسماء له تعالى دالة على معان له هي صفات.
وكذلك أسماء النبي ﷺ ، وإلا لو كانت أعلاما محضة لا معنى لها لم تدل على مدح.
قال : ومحمد أشهر أسمائه ﷺ وأجلها، ولذلك اختص بأمور منها : أنه لا يصح إسلام الكافر حتى يتلفظ به بأن يقول بعد التوحيد محمد رسول الله، فلا يكفي أحمد.
ومنها أنه يتعين الإتيان به في التشهد لا يكفي غيره من أسمائه ولا أحمد.
ومنها أنه على أربعة أحرف ليوافق اسم الله تعالى، فإن الاسم الكريم على أربعة أحرف.
ومنها أن الله تعالى اشتقه من اسمه المحمود، كما قال حسان رضي الله عنه :
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه ** إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليُجِـــــــلَّه ** فذو العرش محمود وهذا محمد[5]
وساق ابن حجر فائدتين في هذا الاسم الشريف : الأولى أنه لا إعجام في حرف من حروفه، كما في لفظ الجلالة، إشارة إلى خلوصه ﷺ، وإلى أن كل من تبعه لا بد أن يكون خالصا، ففيه إشارة لذوى الأبصار من أول اعتبار.
والثانية : أنه قد اجتمع في اسمه الشريف الميم الشفوية والدال اللسانية والحاء الحلقية، فهي نعمة سنية، هي أن لا يخلو مخرج من المخارج بالكلية من ذكر خير البرية. وما أحسن هذه الحروف صورة ونطقا، إذ هي حروف المحبوب لكل أحد. فحقيق على كل أحد أن يحبه، فمن شك أو عاند أو خالف، فذلك لسوء المزاج وقبح الطبع.
ورحم الله من قال :
حار الأنام في وصف أربع أحرف** حاء الحياة والدال والميمـان
مهما أجاد المادحون وأطنبــــــوا** فمقامه فوق نقطة الإمـكان
والسبب في تسميته ﷺ محمدا ما رواه البيهقي وأبو عمر عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن عبد المطلب قيل له: لم سميته محمدا ورغبت عن أسماء آبائه ؟ قال : أردت أن يحمده الله في السماء ويحمده الناس في الأرض[6].
وروى ابن عساكر أنه ليس أحد من أهل الجنة إلا يدعى باسمه إلا آدم على نبينا وعليه السلام، فإنه يدعى أبا محمد تعظيما وتوقيرا للنبي صلى الله عليه وسلم، زاده الله شرفا وفضلا وتعظيما ونعما.
[1] سورة الفتح، الآية 29.
[2] المواهب اللدنية بالمنح المحمدية المؤلف: الإمام شهاب الدين القسطلاني، ج2، ص 25، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 2004.
[3] جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام، ابن قيم الجوزية، ص 171 دار العروبة، الطبعة الثانية، 1987.
[4] فتح الإله في شرح المشكاة، ابن حجر الهيتمي، ج 10، ص 328 ، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت.
[5] جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام، ابن قيم الجوزية، ص 172 دار العروبة، الطبعة الثانية، 1987.
[6] جامع الأحاديث، الإمام السيوطي، مسند عبد الله بن عباس، رقم الحديث 39107.
أضف تعليقك (0 )