في مثل هذه الساعة يرجى الغفران ويتوقع الإحسان، ويطلب من صاحب الأمر الأمان. لو كشف عن الأبصار، لعاينتم الرحمة تنزل في هذا الوقت كالأمطار الغزار. كم لله في مجالس الذكر من عين محرَّمة على النار! كم قد وضع فيها عن الظهور من ثقل الأوزار، وتنفجر فيها ينابيع الرحمة، ويتوفر فيها على الحاضرين من النعمة، ويعطى كل سائِل ما سأله، ومبلَّغ كل أمل ما أمَّله من كرمِ ذي الجلال والإكرام، ومواهبِ مَن له الفضل والإنعام، الذي لا يتعاظم ذنبٌ غفره لجانِيه
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: بينَمَا نحن مع رسول الله ﷺ نسِيرُ بالقريب من جَمَدان إذْ استنْبهَ فقال: يا معاذ، أين السابقون؟ فقلت: قد مَضَوْا وتخلَّف أُناس، فقال: يا معاذ، إنَّ السابقين الذين يسْتَهْتِرُون بذكر الله”.
فأما الأول، وهو النصح للمسلمين عموماً، ففي الصحيحين عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: بايعت النبي ﷺ على إقامِ الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكلّ مسلم. وفي صحيح مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: “حقّ المؤمن على المؤمن ست»، فذكر منها: “وإذا استنصَحَكَ فانصح له”.
من تفرغ من هموم الدنيا قلبُه قَلَّ تعبُه، وتوفر من العبادة نصيبه، واتصل إلى الله مسيره، وارتفع في الجنة مصيره، وتمكن من الذكر والفكر، والورع والزهد، والاحتراس من غوائل النفس ووساوس الشيطان. ومن كثر في الدنيا شغله اسوَدَّ قلبُه، وأظلم طريقه، وكثر همه، ونَصِب[3] بدنه، وصار مهون الوقت، طائش العقل،
لو كنت من المصدقين بيوم القيامة لكنت من أهواله خائفا، ولو سلكت سبيل طلاب السلامة لم تكن للأمر مخالفا، ولو رغبت فيما أعد الله لأوليائه من الكرامة لم تزل في الخدمة واقفا، ترجو رجاء طيبا، وتعمل عملا خبيثا. ﴿اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾.
المصدقون بيوم القيامة أكياس دانوا أنفسهم وعملوا لما بعد الموت، ثبتت عقائدهم في قلوبهم بالنص والقياس، فشمّروا خشية الموت، أيقظوا عقولهم من رقدة النعاس، حين أسمعهم الصوت علموا أن ما بأيديهم من الدنيا سيصبح تراثا موروثا، وهباء منثورا. ﴿اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾.