أنت متخلف بالنسبة لمن تقدمك. فالتخلف صفة اعتبارية يتصف بها أحد طرفي المقارنة. وتطلق الكلمة في عصرنا على الشعوب والدول غير المصنعة إذا قورنت بالدول والشعوب التي سبقت إلى التصنيع. التخلف والتقدم مقياس وضعه الغربيون، فيعرفون أنفسهم بأنهم المتقدمون ومن سار على شاكلتهم، وكأنهم ركب الإنسانية الممثلون لها، لا حضارة إلا حضارتهم، ولا نجاة إلا في اقتباس نموذجهم وتقليده، والسير على آثارهم.
الغرب يعتبر نفسَه الجوهرَ ونحنُ الفضولَ. وحياة الغربي الذي لا يرجو لقاء الله أعز ما عنده. فهو حريص على الحياة، أي حياة. وذلك من مواطن ضعفه. علَّمته فتنام بعد حروب التحرير الوطني أن المستضعفـين يقاتلون بشجاعة. تنشر التلفزيون صور الجرحى والموتى من الشعوب الملونَة ومن أطفال الحجارة فيعتاد الجمهور الغربيُّ. لكن يصيبه الهلَع لمشهد جثة رجل أبيض. فتقوم المظاهرات في نيويورك وواشنطون أنْ احبسُوا المجزرة.
جهِل أولئك الوحي ومصدرَه ومعناه فقلبوا الحقائق. وعَلِم كلَّ ذلك، معاناة تاريخية، وتشربا قلبيا، واقتناعا عقليا، أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمسوا ما وقع في حياتهم من تغيير ونسبوا الأثر إلى مصدره. عمر بن الخطاب رضي الله عنه علم أن العرب ما عزوا إلا بالإسلام فقال قولته المشهورة : “إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام. فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله” قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين. عاش هو جاهلية العرب، قاسا منها،
يتخلص لنا من كل هذا وجوب إقامة ميزان العدل والقسط بين الأغنياء والفقراء، والأقارب والأباعد، بلا حلف، ولا هوى نفس، ولا رغبة انتقام. وسواء في وجوب ذلك العدل القضائي المتمثل في أداء الشهادة أمام القاضي، والقسط في القسمة. وفي الآيتين الكريمتين إسناد القيام لله عز وجل في قوله: ﴿قَوَّامِينَ لِلهِ﴾ وإسناد الشهادة له سبحانه في قوله: ﴿شُهَدَاء لِله﴾.
فساد الفرد وفساد المجتمع ينشآن عن طغيان الأنانية الفردية وجشعها. ومن وراء الفلسفة اللبرالية والإديولوجية الاشتراكية -وهما يعالجان المشكل الاقتصادي في غياب تام عن عقدة العقد وهي الجشع الفردي– تستقر المباءة النفسية التي تنبثق عنها الأمراض الاجتماعية الاقتصادية السياسية، من ظلم، واحتكار، ولمّ، وتكاثر، وتفاخر، واستغلال، وتبذير، وطبقية، واستعباد للإنسان بجعله قنا للمالكين، وعبدا للآلة، وعجلة في ناعورة الإنتاج، وعنصرا مكملا لآلية الاستهلاك.
جاءت الرسالة لتُذكر الـمَلِك بمسؤوليته أمام ربِّه وأمام شَعبه، وتنصحه بإبعاد بِطانة السُّوء عن التسلط على رقاب الأمة، وإرجاع أمانة الحكم إلى موضعها الشرعي، وإصلاح الإدارة، فالنداءات الحماسية الموسمية، وادعاء القوة الحربية وزعم المجد من فراغ، شبيه في جعجعته بثرثرة أنصاف المثقفين وأحلام القيادة الجماعية عند بعضهم، فلا تكفي لإنجاز إقلاعٍ صادق يُخرج الأمة من وهدتها، ما لم تُشرك القيادة القادرة بحدسها وروحانيتها وحكمتها المجتمعَ بقُواه الحية في عملية تحوُّلٍ حقيقية تلامس جوهر الحياة السياسية والاقتصادية،
ربما سألت عن حسن نية يأيها النظير الخلقي. فإليك في المكان الثاني قصدُنا بعد اهتمامنا بتنوير الطريق أمام أنفسنا. لكن تمام الاستماع إلينا يقتضي أن تنصِت كيف نطرح نحن الأسئلة. فربما فاتك إن لم تبذل الجُهدَ الأول في تحويل الموجة الفهمُ عنا والحوار الضـروري معنا، ضرورةً نحُسها ونسارع إليها كما تحس أنت وإن بقيت تتلكأ في ريبتك وانشطارك وحيرتك بين صلاة تخشع فيها لربك وبين نضالية تنسى فيها دين الله لتنخرط بدمك وعصبك وعقلك وعضلك في مَهْيَع السياسية الحزبية اللاييكية في أحسن أحوالها.
لا نستطيع طي المسافات، ولا مقاومة الضغط السيطري للقيم الحضارية الغربية العاوية الهاوية، إلا بتربية إيمانية تستهدف أجيالا راجعة إلى فطرتها. تربية تخلصنا من عقدة الدونية أمام العقل المعاشي المخترع الذي يزعم بمنطق «علمي» أن الإنسان استثناء في هذا الكون. إن كان كل ما في الكون له معنى ومنفعة فالإنسان وحدهُ على رأس الخليقة آلة للذة ومُرَكب للمتعة، لا معنى له ولا منفعة وراء ذلك.
ميثاق الله والميثاق القانوني الدولي نقيضان في انطلاقتهما وأهدافهما. نقيضان في مقوماتهما وبواعثهما ووسائلهما. فشريعة الله وميثاقه وفاء بالعبودية له سبحانه، من استقام عليها وعدل وأحسن كانت له ضمانا لمصلحة الدنيا والآخرة. وقوانين المعاش البشرية ودساتير الدول الديمقراطية والمواثيق والعهود الدولية شرائع عمادها القوة لا التقوى. فهي شرائع وقوانين تضمن المصالح الدنيوية للأقوى. والآلة والحرية مقومان للقوة الاقتصادية الاجتماعية السياسية. للآلة جماع الصناعة والعلوم ولوازم ذلك من تمويل وتنظيم. والحرية ديمقراطية في الحكم ومبادرة حرة. لهم غُنْم ذلك وعلينا الغُرْم.
قاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الجهاد بعد أن ألهب في النفوس حب الله ورسوله، حبا يفدي الإسلام الغاليَ العزيز بكل ما يملكه إن بَخِلَ المالكون. بدأت سرايا الجهاد ببعثة حمزة بعد ستة أشهر من الهجرة. كان قوامها ثلاثون رجلا. ثم السرايا والغزوات حتى بلغ الجند المؤمن ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا في غزوة بدر، ثم قُرَابَةَ ثلاثين ألفا في غزوة تبوك. بدأ الجهاد مناوشات مع وثنيي العرب، ثم مواجهةً مع الشرك والكفر والنفاق كافة في غزوة الخندق، ثم تفرُّغاً لليهود
ليسَ التحدي الثقيل الذي ينبغي أن تتجند له الدعوة وتواجهه من قبيـل ما ينفع فيه التخطيط على المدى المتوسط والبعيد لكسب العلوم وترويض التكنولوجيا وتوطينِها وتبْيِيئِها. ولا هو ينتهي في حدود الجهاد لأداء «فاتورة» المديونية التي خلفها المبذرون إخوان الشياطين. ولا هو واجبُ تنمية بلاد الإسلام وتحريرها من التبعية. ولا هو هذا المعضل المحوري المركزي، الهم الدائم، هم فلسطين وكارثة فلسطين.
من الحريات العامة التي تنبني عليها الديمقراطية حرية التعبير. من شِنْشِنَةِ الحكم الظالم المغتصب المستبد أن يكم الأفواه ويمنع كلمة الناس من الرواج. فالفكرة واحدة، والاجتهاد واحد. على فكرة القائد الملهم الوارث الخالد يجتمع الناس، من أراد من الناس، ولأُمِّ الممتنع الهَبَلُ!
على الفكرة الواحدة الوحيدة المحتكرة للذكاء والبصيرة تتوحد جهود الصنائع الطامعين في المزيد من النَّوالِ والمزيد من السلطة والنفوذ. يُضطر النبهاء من النخبة المتعلمة أن ينضوُوا تحت لواء الفكرة الوحيدة، وأن يتظاهروا بالانخداع للإعلام الوحيد، عسى يجدون لمؤهلاتهم مَصْرِفاً، ولحياتهم منفعة.
في الدولة الإسلامية المتجددة يجب أن توفر للعمال حقوقهم الملموسة التي يحدها الكم والإحصاء والعد مضافة إلى حقهم في التكرمة التي يستحقونها لشرف جهادهم. فتكون الحقوق المعدودة، الكمية، الملموسة، عنوانا عن ذلك التكريم وبرهانا. فيتاح لكل المسلمين الحصول على عمل مثمر، والحصول على التدريب اللازم، بإشراف الحكومة، أو بمبادرة أصحاب المشاريع، والحصول على تعويض للمرض والبطالة القسرية، والحصول على العلاج والمأوى وتربية الأولاد، والحصول على المعاش بعد التقاعد والحصول على ظروف إنسانية حال العمل.
ومع ذلك فنحن نمد اليد ونمهد الجسور لحوار ولقاء وتراض. لعل الفضلاء العقلاء يدركون أن مصلحة الأمة ومصلحة أبنائها جميعاً اللقاء على كلمة سواء، لا على الحلول الوسطى المنافقة.
والكلمة السواء ما هي يا من لا يقرؤون القراَن، ويدمنون على استهلاك ثقافة فاتنة مزوقة؟
كلمة «الاحتقلال» التي عَنْوَنَّا بها هذه الفقرة هي من صياغة البطلِ الريفي المجاهدِ محمد بن عبد الكريم الخطابي. كلمةٌ مركبة تركيباً مزْجيّاً من «الاحتلال» و«الاستقلال». فهي بتركيبتِها وغرابَتها تدل على شك الخطابي في حقيقة ما حصَّل عليه المغاربة المفاوضون في إكس لبان، وتَدلُّ على إنكار الخطابي لاستحواذ الحزب الوحيد -الفارضِ وحدانيتَه بالعنف الذي قرأناهُ-، وعنفه.
ننظر في آخر الديباجة، فنقرأ نداء «ليبذل كل الأفراد وكل المنظمات الاجتماعية المستوحية لهذا الإعلان جهودهم في التعليم والتربية، لينموا احترام هذه الحقوق والحريات، وليُؤَمنوا الاعتراف بها، وتطبيقها العالمي والفعلي بإجراءات تدريجية على الصعيد القومي والدولي، سواء وسط شعوب الدول العضوة نفسها أو وسط الشعوب التي تحت سيطرتها».