إن ارتباط العمق الإيماني والسلوك التدافعي بفتية شببة تعليم قرآني وهدي رباني عميق يلفت نظرنا إلى الضرورة الملحة للاعتناء بالشبـاب احتضانا وتربية وتعليما وتدريبا، فهم عماد بناء الجماعة المؤمنة ونصـرة الدعـوة وبناء الأمة، ومن خدامّ مستقبلها المشرق بإذن الله تعالى. ويتأكد الأمر بصورة أوضح بالنظر إلى ما تعيشه الأمة الآن في غزة وكل فلسطين، من تدافع بين الحق والباطل، فما نراه من مشاهد بطولية للشباب المؤمن بربه المجاهد في سبيله مدهش للغاية، فلئن ضرب شباب الصحابة الكرام رضي الله عنهم …
وأنت تتابع مضامين الخطاب الإسلامي بشقيه الثقافي والسياسي، في المشرق والمغرب، تلاحظ ضمورا في “ثقافة الآخرة” وتضخما في “ثقافة الدنيا”، فقلَّما تجد من يتحدث عن الآخرة والموت ولقاء الله تعالى، إذ يغلب على الكثير من المتصدرين للكلام في منصات التواصل ومنابر التأطير والتوعية التركيز على مزايا الإسلام وأركان الإيمان ومصالح الناس في الدنيا إن هم طبقوا شريعة الإسلام.
ولئن كان حفظ مقاصد الدين بحوط الشباب في دينهم وأنفسهم وعقولهم وأموالهم وأعراضهم واجب الدولة، فإن على الدعوة بمقتضى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانة حماية الشباب واحتضانهم في بيئات تربوية إيمانية، يتلقون من خلالها تربية تهذب الوجدان وتقوم السلوك وتنور العقول وتبعث الإرادات. فما الاحتضان التربوي؟ وما أهميته في بناء الشخصية المتوازنة للشباب؟ وما طبيعة المحاضن التربوية وكيف يمكن أن تسهم في التربية الإيمانية للشباب؟ وما المعالم الكبرى للاحتضان التربوي للشباب؟ هذه الأسئلة مدار الحديث في هذا المقال.
مناسبة مرور 16 سنة على وفاة سيدي محمد العلوي رحمه الله وأسعده بلقائه (توفي يوم فاتح دجنبر 2008م)، شاهدتُ شريطا مرئيا قصيرا يتحدث فيه -بعفويته وعمقه- عن بعض معاني الصُّحبة، وهو في مقام التذكير والتوجيه، نبَّه إلى أن الصحبة والسلوك إلى الله ليس كلاما مجردا ولا فكرة خيالية، وإنما هو فهم سليم وعمل صالح وسلوك قويم
وهذه حقيقة ماثلة في كتاب الله عز وجل وفي سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وفي تاريخ المسلمين، وانظر قول سيدنا عمر بن الخطاب في رسالته لقائد معركة القادسية سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما: “وآمرك ومن معك أن تكونوا أشدّ احتراساً من المعاصي منكم من عدوّكم، فإنّ ذنوب الجيش أخوفُ عليهم من عدوّهم، وإنّما يُنصر المسلمون بمعصية عدوّهم لله،
كما حفظت لنا تلك الصورة البديعة ومظاهر الحبور يوم أقبل رسول الله ﷺ على الأنصار وحل بالمدينة فاستنارت، وأضاء منها كل شيء وفتح الله به القلوب والعقول والأغلال التي كانت عليهم، وجعل الله تعالى فرحهم به مبثوثا في قلوبهم رضى وفي وجوههم الطلقة بشاشة إلى يوم القيامة.
لم تحظ شعيرة من شعائر الإسلام بما حظيت به الصلاة من حيث مناسبة فرضيتها، وتدقيق تفصيلاتها، وحجم الاهتمام بها والتعظيم لشأنها. فقد فُرضت في لقاء سطعت فيه شمس الحب، وشعَّت فيه أنوار القرب، وانقشع فيه ظلام الضيق والكرب. إنها ليلة الإسراء، وما أدراك ما ليلة الإسراء. فيها فرضت على المسلمين خمس صلوات، وفي صبيحتها هبط جبريل عليه السلام ليُعلِّم النبيَّ صلى الله عليه وسلم كيفياِتها ومواقيتَها.
ولارتباط الفرح بالمحبة، وكون أحدهما ثمرة للآخر، فإنه كما لا حدود للتفاني في المحبة للشخص الكريم على الله حتى يكون أحب إلينا من الناس أجمعين ومن أنفسنا، فكذلك لا حدود للفرح بمن أرسله الله رحمة للعالمين، حتى نخلع في حبه العذار. ومن ثم يكون الفرح بالتأسي به واتباع سنته والذود عن دعوته، لا ادعاء وقعودا، فالمحبة دعوى والقيام بالحقوق برهان. هذا هو الميزان.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوةً في حرصه الشديد على مصلحة الناس ونفعهم، وصور لنا صورة جلية عن نفسه في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إن مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه، فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء، فأطاعه طائفة من قومه…
إن أعظم رزق يُكرم به العبد المؤمن حب الله تعالى وحبُّ نبيّه إمام الأنبياء وخاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حبّ الله ورسوله قطب رحى ديننا وأساس عقيدتنا، قال الله تعالى{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }
وصفه الوصّافون في السير ونقلوا رحمهم الله تفاصيل حياته، لكن غاية ما فعلوه تقريب وتشبيه، عسى أن تحمل السطور نسائم من ذلك الجناب الشريف. أما من خلع العذار في محبته صلى الله عليه وسلم فلا يكفيه وصف، وإن شبه بالشمس أو القمر.
نطرح على أنفسنا سؤالا واضحا وضروريا. ما هي العبرة التي يتعين علينا أن نتخذها جسرا ننتقل عليه من زمن ميلاد خير الخلق صلى الله عليه وسلم إلى زمن الملك الجبري الذي أذن الله تعالى بزعزعة أركانه على أيدي الشباب الذين ظلوا لعقود طويلة ضحية تجهيل وتخويف من الإسلام الحق وأهله؟
شمل الذكر كلَّ ما يُقرِّب إلى الله بشرط الإخلاص والاتباع. مفتاحه صحبة ربانية تُحرك ما سكَن من الأشواق، وتوقظ الغافل استعدادا ليوم التلاقي، وتحيي القلب المَوات بذكر الحيّ الباقي. ( تذكر الله في ملأ عندما تؤذن للصلاة، وعندما ترفع شعار التوحيد بين المتنكرين لدينهم، وعندما تدعو هذا وذاك وهذه الجماعة وتلك إلى الله.
وقد فصّل علماؤنا السابقون رحمهم الله في مشروعية الوضوء بما هو طهارة، واجتهدوا في التوفيق بين النظر في إقامة الدليل على وجوب الوضوء ومقاصده الشرعية، فإذا كانت الصلاة -وهي عماد الدين- لا تقبل إلا به، كان الوضوء واجبا لكونه شرط وجوبها. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
لم يكن حدث الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة حدثا منفصلا معزولا عن مجموع الأحداث والمعاني الإيمانية التي سبقته وقعَّدت له ونظمته في سياق تعبدي جهادي جامع، إذ ليس فعل الهجرة الحسي المتمثل في الانتقال من مكان إلى مكان إلا وجها واحدا من أوجه الهجرة الشاملة والعميقة، ومرحلة واحدة من مراحل الدعوة الدائمة التي تتداخل فيها جملة من الأعمال القلبية والجوارحية والتنظيمية كالصحبة والجماعة والتوبة والنية واليقين.
وكانت للهجرة النبوية نتائج أثمرت بناء المجتمع الإسلامي، وكانت منطلق انتشار الإسلام، وبداية عزة المؤمنين. وكان للهجرة معنيان؛ فردي وجماعي، وهي في عصرنا هجرة معنوية، يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: “والهجرة المطلوبة في حق الفرد المؤمن والجماعة المجاهدة في عصرنا هجرة معنوية. أول خطوة فيها هجرة ما حرم الله. ثم فطع ما يربطنا بالماضي قبل التوبة. وبالتعالي على حاضر الفتنة. وترقب نصر الله بالتخطيط للمستقبل والاستعداد له”