الهجرة عن عادات الجاهلية هي برهان الصدق وهي الحركة السلبية للإرادة التي تعدل عن الموقع العادي إلى الوضع الشرعي الإسلامي، وقد كانت الهجرة حادثة في عهد الرسول الكريم تاريخية من دار الكفر مكة إلى محضن الإيمان يثرب. طرح الرسول وصحبه أموالهم وأهلهم ورحلوا بإيمانهم. وتبقى الهجرة حركة إرادية دائمة في حياة المؤمن يطرح دائما عنه الرجس ويعدل إلى الحق.
لا سبيل إلى بناء القوة الاقتحامية المؤهلةِ لمناجزَةِ الجـاهلية، القادرةِ على مطاولتها وحصارها وخنقها وطردها، وفي قلوبنا مَثْوىً لأم الفتن. نهض الرجل الأشقر الأزرق الطويل القامة في ألمانيا الإمارات المآت، وتوحد الجِرْمانُ على ثقافة ولغة وجنس وقوم. فانظر ما أججوا من حروب، وما اقترفوا من جرائم ضد الإنسانية. النازية زهرة القومية ونموذجها المتطرف. المتطرفُ حقا! أليست الحمية، حميةَ الجاهلية، عنفاً كلُّها وجهلا كلُّها؟
بدأتْ هذه الصحوة الإسلامية، كما يعبِّرُ العالم كله، بانتشار الفكر الإسلاميِّ، وتوبة الشباب، وتربية محاضن الإيمان. هذه بركة عظيمة باركَنا الله عز وجل بها، تُؤْذِنُ بعودة المسلمين إلى عزة الخلافة في الأرض. وقد انتشر الحِسُّ الجهادي، والوعيُ الحركي، والخبرة السياسية بين هذا الشباب الصالح، وأقبلت هذه الأجيالُ من أشبال الإسلام تحفظ القرآن، وتلتهم بشوق كل حديث عن الإسلام ومجده، والنبوءة وخبرها، والشريعة وضوابطها. لكن إن تحدثت عن معرفة الله، والسلوك إلى الله،
رسول خاتم ورسالة خاتمة. لا تحتاج لتكميل ولا تطوير. نُزُلاً من حكيم حميد. لا يعني هذا أن العقل المؤمن، وهو أيضا خَلْقُ حكيم حميد، قد عطل، وأن تحديات العصور للمسلمين بمشاكلها المستجدة يمكن أن تواجه ببلادة حامل الأوقار الذي لا يعرف ما يحمل، ولا روح ما يحمل، ولا أهمية ما يحمل، ولا سرّ ما يحمل. نحن حاملو رسالة، لكن هل نقدر معنى أن معنا آخر كلمة خاطب بها الخالق خلقه، وأكمل رسالة أنزلها رب السماوات والأرض لعباده؟
كان المستضعفون، على عهد التقابل والتضاد بين الشيوعية والرأسمالية، يجدون مُتنفسا بين العملاقين. أمريكا كانت تدعم الطواغيت فتجد الشعوب المقهورة سلاحا ونصيرا استراتيجيا عند الدولة العظمى التقدمية السوفياتية. أما اليوم فالوِفاق بين شرق الجاهلية وغربها وحَّدَ السياسة بما لا يُبْقي متنفسا للمستضعفين.