رأينا كيف ولِمَ وعلى ماذا بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة. كانت مبايعة جامعة مانعة: الطاعة لله ورسوله التي تتفرع فتغطي المجالات الاقتصادية والاجتماعية والحربية والسياسية. كل لا يتجزأ، رمز ُ كليته أن تقاتل فتموتَ وتذهبَ كلُّك فداء لدينك. إنها بيعة صفق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أيدي الأنصار، ويد الله فوق أيديهم. صفقة بمقتضاها اشترى الله تعالى وباع العبد وشهد النبي. صفقة بضاعتها الجنة ضمنها النبي…
رسول كالرسل ما هو بدع منهم، لكنه خاتمهم وإمامهم. أُمِرنا أن لا نفرق بين أحد من رسل الله. أيْ أن نؤمن بهم جميعا، وأن نعتقد أن الإسلام دين الله دينهم جميعا. وجاءنا في الحديث النهي عن تفضيل محمد صلى الله عليه وسلم على يونس بن متى. كما جاءت أحاديث يذكر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إخوانه الأنبياء بحب وتقدير وتواضع.
التُّؤَدَةُ هي التأني والتمهل والرفق. والصبر شعبة من التؤدة وفرع عنها، أو هي مظهر من مظاهره. وفي الصبر والتؤدة معنى التحمل ومطاولة المصاعب والشدائد واستعمال الوقت لحلها وتجاوزها. الصبر قوة، وهو من صفات الرجال أهل الإيمان والإحسان والكمال. قال الله تعالى لنبيه محمد ﷺ: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل ﴾. وقال له: ﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴾. وقد مدح الله عبده أيوب عليه السلام لصبره فقال جلت عظمته: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾3. وأحب سبحانه الصابرين كما يحب المحسنين فقال: ﴿ وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾.
جعل الله الحج فريضة ليشهد المسلمون -أي ليحضروا- منافع لهم. قال الله سبحانه وتعالى يخاطب إبراهيم عليه السلام: {أَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ
لا نستطيع طي المسافات، ولا مقاومة الضغط السيطري للقيم الحضارية الغربية العاوية الهاوية، إلا بتربية إيمانية تستهدف أجيالا راجعة إلى فطرتها. تربية تخلصنا من عقدة الدونية أمام العقل المعاشي المخترع الذي يزعم بمنطق «علمي» أن الإنسان استثناء في هذا الكون. إن كان كل ما في الكون له معنى ومنفعة فالإنسان وحدهُ على رأس الخليقة آلة للذة ومُرَكب للمتعة، لا معنى له ولا منفعة وراء ذلك.