

الثبات على إديولوجيةٍ عِناداً وادعاءً أنها حية لم تمت، والانتقال من إديولوجية ودّعها العقلاء إلى مثواها الأخير إلى إديولوجية منقذة، والتحول السريع من خطاب متشدد إلى خطاب متصالح، إنما هو تَجْوال في عالم الهياكل، والهيكلات، والتنظيم الحزبي، ومشاكل التنظيم، وصراعات المناصب والمصالح، وحواراتٍ حول الأولويات والإستراتيجيات، ونزاع الزعامات على القيادة.

أما أعمال المؤمنين، فإن كانت شبيهة في إعطاء النتائج السببية في الدنيا مع أعمال الكفار، فإن لها بقاء أبديا على صورة ثواب وجزاء ونعيم. أعمال المؤمنين سعي مَرْضِيٌّ في الدنيا إن حسَّنَه الإتقان، مرضِيٌّ في الآخرة إن زكّاه الإيمان وزكتهُ النية.

رسول الله : لنتدبر هاتين الكلمتين المألوفتين تغطي عنا العادة عظمة مدلولهما. إنه رسول، إنه من عند الله جاء، إنه حمل رسالة، حملها من ربه إلينا. ومن كان هذا شأنه حق له أن يعطي الجنة وعدا لمن وفى ما بايع عليه. ويشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم! هذا معنى المبايعة أعطيك وتعطيني. وقد مسخت هذه العقدة المطهرة في زمن الفتنة حتى صارت بيعة من جانب واحد، بيعة من المسلمين تحت قهر السيف، وخيلت معناها السامي.

نزلت علينا دلالة الله في القرآن: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾، وتنزلت فينا دلالة رسول الله ﷺ حية بيننا، نموذجا شاهدا حاضرا، معلِّما هاديا رؤوفا رحِيماً صاحبا أسوة: «ألا أدلكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم؟». لم تَكن دلالة الرسول ﷺ ودلالة إخوانه من قبله من النبيئين مجردَ تبليغ، وإن كان التبليغ ركنا من أركان الدلالة، وإنما كانت مُعَايشةً وسياسة وتلَطُّفا وخفضَ جناحٍ وقيادةً آلت إلى اتباع وإيمان، ورفع الاتباع إلى محبة الشخص الرسول، ورفعت محبة الرسول إلى محبة الله، وأوجبت محبة الله عبده المتقرب بالفرض والنفل، ومن الفرض الآكد اتباع الرسول وحبه، مراتب الاصطفاء والفلاح.
كلمة «الاحتقلال» التي عَنْوَنَّا بها هذه الفقرة هي من صياغة البطلِ الريفي المجاهدِ محمد بن عبد الكريم الخطابي. كلمةٌ مركبة تركيباً مزْجيّاً من «الاحتلال» و«الاستقلال». فهي بتركيبتِها وغرابَتها تدل على شك الخطابي في حقيقة ما حصَّل عليه المغاربة المفاوضون في إكس لبان، وتَدلُّ على إنكار الخطابي لاستحواذ الحزب الوحيد -الفارضِ وحدانيتَه بالعنف الذي قرأناهُ-، وعنفه.