رسول خاتم ورسالة خاتمة. لا تحتاج لتكميل ولا تطوير. نُزُلاً من حكيم حميد. لا يعني هذا أن العقل المؤمن، وهو أيضا خَلْقُ حكيم حميد، قد عطل، وأن تحديات العصور للمسلمين بمشاكلها المستجدة يمكن أن تواجه ببلادة حامل الأوقار الذي لا يعرف ما يحمل، ولا روح ما يحمل، ولا أهمية ما يحمل، ولا سرّ ما يحمل. نحن حاملو رسالة، لكن هل نقدر معنى أن معنا آخر كلمة خاطب بها الخالق خلقه، وأكمل رسالة أنزلها رب السماوات والأرض لعباده؟
كان الأنصار رضي الله عنهم إذن على بيِّنَةٍ من واجبهم بمقتضى البيعة، وعلموا أنها عداوةُ العرب، وأنها الحرب، وأنه الموتُ. واختاروا عن رِضىً الطاعةَ لله ورسوله مهما كانت النتائج، والتزموا بالتحرك في المنشط والمكره، والتزموا بالنفقة في العسر واليسر، والتزموا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي بالقيام في بلدهم بفرض التحول الجذري، وإقامة المجتمع الإسلامي على قواعدَ مُنافية للمألوف.
إذا اتخذنا من الحبيب الذي اصطفاه الله قدوة، واستلهمنا سيرته الشريفة اكتسبنا المناعة من “داء الأمم” ومن التوجس الخائف الانهزامي، واكتسبنا القدرة على اقتحام هذه السدود المادية والمعنوية التي تجعل منا أمة محصورة مقهورة في الجهل والفقر والعجز.
إنها مسألة حياة أو موت. ما دام المسلمون يفضلون حياة الخنوع والمذلة، هذه الحياة الدنيا بكل معاني الدون، فهم كم ميؤوس من خيره. ولن يغير الله ما بنا قبل أن نغير ما بأنفسنا، وأهم ما بأنفسنا من ويل الحرص على الحياة الدنيا وكراهية الموت…
الغرب يعتبر نفسَه الجوهرَ ونحنُ الفضولَ. وحياة الغربي الذي لا يرجو لقاء الله أعز ما عنده. فهو حريص على الحياة، أي حياة. وذلك من مواطن ضعفه. علَّمته فتنام بعد حروب التحرير الوطني أن المستضعفـين يقاتلون بشجاعة. تنشر التلفزيون صور الجرحى والموتى من الشعوب الملونَة ومن أطفال الحجارة فيعتاد الجمهور الغربيُّ. لكن يصيبه الهلَع لمشهد جثة رجل أبيض. فتقوم المظاهرات في نيويورك وواشنطون أنْ احبسُوا المجزرة.