كان الأنصار رضي الله عنهم إذن على بيِّنَةٍ من واجبهم بمقتضى البيعة، وعلموا أنها عداوةُ العرب، وأنها الحرب، وأنه الموتُ. واختاروا عن رِضىً الطاعةَ لله ورسوله مهما كانت النتائج، والتزموا بالتحرك في المنشط والمكره، والتزموا بالنفقة في العسر واليسر، والتزموا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي بالقيام في بلدهم بفرض التحول الجذري، وإقامة المجتمع الإسلامي على قواعدَ مُنافية للمألوف.
إذا اتخذنا من الحبيب الذي اصطفاه الله قدوة، واستلهمنا سيرته الشريفة اكتسبنا المناعة من “داء الأمم” ومن التوجس الخائف الانهزامي، واكتسبنا القدرة على اقتحام هذه السدود المادية والمعنوية التي تجعل منا أمة محصورة مقهورة في الجهل والفقر والعجز.
إنها مسألة حياة أو موت. ما دام المسلمون يفضلون حياة الخنوع والمذلة، هذه الحياة الدنيا بكل معاني الدون، فهم كم ميؤوس من خيره. ولن يغير الله ما بنا قبل أن نغير ما بأنفسنا، وأهم ما بأنفسنا من ويل الحرص على الحياة الدنيا وكراهية الموت…
ثم تتراصُّ الأعمال الأحب إلى الله في صرح السلوك الإحساني.
أولها الحب في الله والبغض في الله. «أحب الأعمال إلى الله الحب في الله والبغض في الله». حديث نبوي رواه الإمام أحمد وحسنه السيوطي رحمهما الله. وهذه خصلة الصحبة والجماعة، جماعة الأشداء على الكفار الرحماء بينهم، أحبة الله الأذلة على المؤمنين الأعزة على الكافرين.
يتخلص لنا من كل هذا وجوب إقامة ميزان العدل والقسط بين الأغنياء والفقراء، والأقارب والأباعد، بلا حلف، ولا هوى نفس، ولا رغبة انتقام. وسواء في وجوب ذلك العدل القضائي المتمثل في أداء الشهادة أمام القاضي، والقسط في القسمة. وفي الآيتين الكريمتين إسناد القيام لله عز وجل في قوله: ﴿قَوَّامِينَ لِلهِ﴾ وإسناد الشهادة له سبحانه في قوله: ﴿شُهَدَاء لِله﴾.