دعوة الإسلام تربية وتعليم، وبلاغ وتبليغ، تبشير وإنذار. فالتربية فعل فاعل بسلطان نموذجيته وسلطان بلاغه وصَوْلة دعوته. التربية تأثير يفرض نفسه على الناس يعلم عاطفتهم ويعلم عقلهم ثم يتناولهما من مجرى العادة إلى مساق الوعي الإرادي والسلوك الإرادي طاعة منتزعة لسلطان الرمز والنموذج. والتربية بهذا لا تنفك عن المربي بل هي إشعاع منه يتشربه المتعرضون له طواعية أو رغما. الفاعل المربي في فتنتنا الغالب على عواطفنا وعقولنا هو النموذج الجاهلي، إنه هذا القائد المنفتح على المذهبية الجاهلية وهذا الأب وهذا الأستاذ وهذه الأم الغارقون في تيار النفايات
رسول خاتم ورسالة خاتمة. لا تحتاج لتكميل ولا تطوير. نُزُلاً من حكيم حميد. لا يعني هذا أن العقل المؤمن، وهو أيضا خَلْقُ حكيم حميد، قد عطل، وأن تحديات العصور للمسلمين بمشاكلها المستجدة يمكن أن تواجه ببلادة حامل الأوقار الذي لا يعرف ما يحمل، ولا روح ما يحمل، ولا أهمية ما يحمل، ولا سرّ ما يحمل. نحن حاملو رسالة، لكن هل نقدر معنى أن معنا آخر كلمة خاطب بها الخالق خلقه، وأكمل رسالة أنزلها رب السماوات والأرض لعباده؟
دأب رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ فُرِضَ عليه القتالُ وعلى أصحابه عقِب خروجهم من مكة يُجَيِّشُ الجيوش، وأصبحت المدينة معقِلا وحِصْنا. منها تنبعث البُعوثُ والمغازي، وفيها يتحصَّن جند الله إذا هوجموا. بعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم السَّرايا من المدينة إلى كلِ بقاع الجزيرة، وغزا منها بنفسه. فكان عددُ مغازيه التي قادها سبعا وعشرين كما جزم بذلك ابن الجوزي والحافظ العراقي رحمهما الله.
قال مالك: «ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم يذكر النبي ﷺ فيُنظَر إلى لونه كأنه نَزَفَ منه الدم، وقد جفَّ لسانه في فمه هيبة لرسول الله ﷺ. ولقد كنت آتي عامر بن عبد الله بن الزبير، فإذا ذُكر عنده النبي ﷺ بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع. ولقد رأيت الزُّهري، وكان لَمِنْ أهْنَإ الناس وأقربِهم، فإذا ذكر عنده النبي ﷺ فكأنه ما عرفَك ولا عرفته. ولقد كنت آتي صفوان بن سُلَيم، وكان من المتعبدين المجتهدين، فإذا ذكر النبي ﷺ بكى، فلا يزال يبكي حتى يقوم الناس عنه ويتركوه».
من الحريات العامة التي تنبني عليها الديمقراطية حرية التعبير. من شِنْشِنَةِ الحكم الظالم المغتصب المستبد أن يكم الأفواه ويمنع كلمة الناس من الرواج. فالفكرة واحدة، والاجتهاد واحد. على فكرة القائد الملهم الوارث الخالد يجتمع الناس، من أراد من الناس، ولأُمِّ الممتنع الهَبَلُ!
على الفكرة الواحدة الوحيدة المحتكرة للذكاء والبصيرة تتوحد جهود الصنائع الطامعين في المزيد من النَّوالِ والمزيد من السلطة والنفوذ. يُضطر النبهاء من النخبة المتعلمة أن ينضوُوا تحت لواء الفكرة الوحيدة، وأن يتظاهروا بالانخداع للإعلام الوحيد، عسى يجدون لمؤهلاتهم مَصْرِفاً، ولحياتهم منفعة.