خاطب القرآن الكريم الأميين المستجيبين للداعي خطابا قويا في هذا الأمر. خاطب الإنسان من حيث إنسانيته، خاطبه من حيث فطرته ومخلوقيته. ولا يزال يخاطبه. الفرق بين الأميين الأولين وبين الناس أجمعين إلى يوم القيامة يتمثل في كون أولئك كانوا عارين أو شبه عارين عن العوائق الخارجية الحضارية التي تشوش على السمع، بينما الإنسان في عصر كعصرنا مكتظ الآفاق الحسية والعقلية بطفيليات صنعه وفلسفته وشغله وثروته وغناه وبؤسه وفاقته التي يلهبها منظر المترفين وآلات ترفهم.
يفلح من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أحبه، ومن صحب من صحب، ومن أحب من أحب، ومن رأى، ومن رأى من رأى. والخير في الأمة إلى يوم القيامة. روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي على الناس زمان يغزو فيه فِئَامٌ (جماعة) من الناس، فيقولون: هل فيكم مَنْ صاحَب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيُفتَح لهم. ثم يأتي على الناس زمان، فيغزو فِئام من الناس، فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم. ثم يأتي على الناس زمان، فيغزو فِئام من الناس، فيقال: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيُفتح لهم».
لا مناص لنا من أن ننهَج في العالم من حولنا مع الاحتفاظ بمعنانا وقيمنا وديننا. الحفاظ على ديننا رأس الأمر كله. العالم من حولنا هو مجالنا الحيوي، هو بحر الابتلاء الإلهي للعباد: فيه القوى المناهضة والمنافسة والمعارضة والمعادية والكائدة. توجيه كتاب ربنا وسنة نبينا للمُبحرين في لُجَج الخِضَمّ العالمي أن نعطي كل ذي حق حقه […]
قال مالك: «ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم يذكر النبي ﷺ فيُنظَر إلى لونه كأنه نَزَفَ منه الدم، وقد جفَّ لسانه في فمه هيبة لرسول الله ﷺ. ولقد كنت آتي عامر بن عبد الله بن الزبير، فإذا ذُكر عنده النبي ﷺ بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع. ولقد رأيت الزُّهري، وكان لَمِنْ أهْنَإ الناس وأقربِهم، فإذا ذكر عنده النبي ﷺ فكأنه ما عرفَك ولا عرفته. ولقد كنت آتي صفوان بن سُلَيم، وكان من المتعبدين المجتهدين، فإذا ذكر النبي ﷺ بكى، فلا يزال يبكي حتى يقوم الناس عنه ويتركوه».
أما المسلمون فلهم في الأرض رسالة يبلغونها، من صميمها نظام الحكم الذي أنزله الله في الكتاب العربي المبين. الشورى نظام الحكم المطلوب المرغوب. وأحيلُ السائِلَ عَمَّا يجمع ويفرق الشوى والديمقراطية إلى كتاب «الشورى والديمقراطية»، فالنقاش في الموضوع طويل عريض.