من عظيم فضل الله عز وجل على أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نوع لها الطاعات، وجعل في أيام دهرها نفحات ترجى في أزمنة مباركة، غنيمة ميسرة لمن حالفته عناية التوفيق. ومن هذه الأزمنة المباركة شهر شعبان. فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: “ذاكَ شهرٌ يغفَلُ النَّاسُ عنهُ بين رجبَ ورمضانَ وهُو شَهرٌ تُرفعُ فيهِ الأعمالُ إلى رَبِّ العالمين وَأُحِبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائمٌ”
غالبا ما يُدرَج الحديثُ عن الغيبة في مصنفات أئمتنا وكتبهم ضمن أبواب “حفظ اللسان” كما فعل الإمام الغزالي في “إحياء علوم الدين”، وابن أبي الدنيا في “الصمت وآداب اللسان”، والنووي في “الأذكار”. رحم الله الجميع. وإن كانوا يرون أنها تتِمُّ بغيره. قال ابن قدامة رحمه الله: ( واعلم أن كل ما يفهم منه مقصود الذم، فهو داخل في الغيبة، سواء كان بكلام أو بغيره، كالغمز، والإشارة والكتابة بالقلم، فإن القلم أحد اللسانين )
في مثل هذه الليلة، 27 رجب ليلة الإسراء والمعراج، من عامين متتاليين كتب الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله مكتوبين: الأول مقدمة كتابه الإحسان عام 1414هـ (وكان التأليف قبل ذلك ببضع سنين) والثاني “رسالة تذكير” عام 1415 هـ، وفي كليهما يتوجه بالخطاب لأجيال العدل والإحسان ولعامة أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصتها.
سيدي أحمد أستاذٌ متميز في أخلاقه وتفكيره وتعبيره وموقفه، كما يشهد له كثير من محبيه وتلاميذه وطلبته في مركز تكوين المعلمين بمراكش، قبل شهادة أبنائه وإخوانه في التنظيم الذي يمثل لهم قدوة في الصدق والوفاء والفهم والشهامة والثبات، وقد أعطى عربون صدقه مبكرا، في لحظات صعبة جدا في تاريخ الحركة الإسلامية عموما وتاريخ جماعة العدل والإحسان خصوصا. فما أن عرف الحق حتى طلبه، وصحب أهله وبذل نفسه وأنفق ماله، فهو الذي تحمل إلى جانب الأستاذ محمد العلوي رحمه الله مسؤولية طبع رسالة “الإسلام أو الطوفان” وتوزيعها في المغرب على النخبة السياسية والعلمية والثقافية، ونسخةٌ منها وصلت الملك طبعا، حيث سهرا على تحويلها من مخطوط إلى مطبوع، واصلين الليل بالنهار في تصفيفها بطريقة “تقليدية” مُتعبة، خلال أكثر من 20 يوما في القاعة 6 في مدرسة الإمام الـجُزولي[1] بمنطقة دوار العسكر بمراكش (وتشتهر أيضا بمدرسة السِّي العلوي لأنه كان مديرا لها آنئذ).
في غير ما مرة ينصح الأستاذ عبد السلام ياسين جلساءه وتلاميذه بقراءة هذا الكتاب الصغير في حجمه العظيم في فائدته، والذي لخص فيه الغزالي تجربته الروحية ومسيرته الفكرية واختياراته المعرفية، واعترف فيه بأخطائه ومراجعاته، وصرح فيه بموقفه الواضح من العلوم التي تلقاها ومن طوائف الناس الذين تعرف على مللهم ونِحلهم، وقدم شهادته في علم التصوف والسلوك والمعرفة والتزكية. وعنوان الكتاب هو “المنقذ من الضلال والموصل إلى ذي العزة والجلال”، وإن اشتُهر بنصفه الأول اختصارا، غير أن صاحبه أراده أن يجمع بين فضيلتين: