الاعتكاف في رمضان سنةٌ نبوية ماضية إلى يوم القيامة، حيث يواصل المعتكِف عكوفه في المسجد أو في غيره من الأمكنة الطاهرة إذا تعذر، زمنا محددا، ويكون في الغالب عشرة أيام بلياليها. ويبقى الاعتكاف في المسجد أولى وأفضل لقدسية المكان ولإقامة الصلوات والجُمع فيه، خلال شهر رمضان أو في غيره من الشهور، غير أنه في رمضان أفضل لفضل الشهر الكريم، وخاصة العشر الأواخر منه، لخصوصيتها وفضلها، حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف كما اعتكف أصحابه وأزواجه والتابعون
قد يشكّل هذا الشهر العظيم بتوفيق الله نقطة تحول إيجابيةٍ في سلوكنا إلى الله تعالى إذا اتخذناه فرصةَ العمر السّنوية للتقرب إلى الله تعالى، ومناسبةً نستغلها لتجديدِ التوبةِ إلى الله، وعقدِ نية الصلحِ مع الله بالإكثار من العمل الصالحِ الخالص في بحرِ النهارِ صوماً وذكراً لله وتلاوةً للقرآن، وزُلَفاً من الليل قياما بين يديه تبتلاً وتضرعاً ودعاءً.
جاءنا رمضان المطهر، شهر الخير والعطاء والإقبال على الكريم الوهاب، موسم الخير والمكرمات الربانية، لنا في كل وقت من أوقات ليله ونهاره مغنم، ليله ليل القائمين والمتهجدين التائبين المنكسرين بين يدي رب غفور رحيم، ونهاره ميدان ذكر الصائمين الواقفين عند حدود مولاهم عز وجل.
حلّ رمضان المعظم، شهر الخيرات والبركات، والغفران والرحمات، شهر العبادة والطاعات، الموفق فيه من شمّر عن ساعد الجد متوكلا على الباري عز وجل بالإقبال والتقرب إليه بالفرض والنفل، منكسرا بين يدي الغفور الرحيم، يسأله الرحمة والمغفرة والعتق من النار، والنصر والتأييد لأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في غير ما مرة ينصح الأستاذ عبد السلام ياسين جلساءه وتلاميذه بقراءة هذا الكتاب الصغير في حجمه العظيم في فائدته، والذي لخص فيه الغزالي تجربته الروحية ومسيرته الفكرية واختياراته المعرفية، واعترف فيه بأخطائه ومراجعاته، وصرح فيه بموقفه الواضح من العلوم التي تلقاها ومن طوائف الناس الذين تعرف على مللهم ونِحلهم، وقدم شهادته في علم التصوف والسلوك والمعرفة والتزكية. وعنوان الكتاب هو “المنقذ من الضلال والموصل إلى ذي العزة والجلال”، وإن اشتُهر بنصفه الأول اختصارا، غير أن صاحبه أراده أن يجمع بين فضيلتين: